18 سبتمبر 2025

تسجيل

إيران تُحضر لنعش عدم الانحياز

12 أغسطس 2012

في دهاليز السياسة لا تكفي مجرد النوايا الحسنة لإدارة موقف ما وتوجيه الأنظار إليه حتى دون مجرد صناعة التعاطي معه بإيجابية من الغير. ومع أني أعجب غالباً بنتائج السياسة الإيرانية دون أن تعجبني سبل تعاطيها المباشرة مع المواقف فهي على الأقل استطاعت أن تمضي بمشروع الجمهورية الإسلامية طويلاً بعد ثورة الخميني وفي ظروف عالمية صعبة بل وتغلبت على الند الإقليمي الذي كان من أوائل المحاربين والمعادين لمشروعها الجمهوري والإقليمي فقضي على الرئيس صدام شنقاً وفي موتته رائحة إيرانية لا يمكن استغفالها كما هو الحال في الواجهة الجديدة في عموم العراق بعد الغزو الأمريكي والذي يجوز تسميته أيضاً بـ " أمريكي إيراني مزدوج " إثر التخطيط والعمل المشترك بين البلدين بشأن العراق رغم براعتهما في استظهار العداء المتبادل بينهما في ملفات شائكة وعقيمة من حيث الحوار والنقاش فيها. وهنا يبدو ملمح إعجابي بمنجزات السياسة الإيرانية في تحويل المستحيل إلى ممكن وتطويع العدو في أقصى حالات حنقه إلى تابع أو حتى منفذ لطموحات الأمة الإيرانية رغم أني أعارضها ليس لمجرد الاختلاف أو التضاد السياسي أو المذهبي بل للمنهجية المبطنة التي لا يُعرف لها أسلوب محدد في التعاطي المنهجي مع المواقف وكذلك استخدامها للإعلام بطريقة لا تتوافق مع آلية الفهم الإنساني وحرفيات المهنة وآدابها. فلديهم ثمة من يجيد أنظمة الحاسوب ويتقنون مهارات القص واللصق دون أن يعوا أن للعالم حاسته في استنباط المفبرك من الواقعي في صور الأحداث. هذا خلاف التعليق عليها والذي يأتي غالباً بصيغ لا تستسيغها الآذان الحيادية. عموماً إيران الآن تعتبر نفسها شريكا استراتيجيا مع النظام السوري في محنته مع الثورة التي بدت تحصد الكثير من المنجزات على أرض الواقع وغدا أيضاً عقد السلطة يتهاوى بانشقاق رموز النظام وجنرالاته. وكما يقال في الكثير من الثقافات العالمية " إنا معك حتى آخر لحظة " ستظل إيران تقف إلى جانب الرئيس بشار ونظامه بل قد تزيد من وتيرة الحضور والمساعدات بشتى صورها حتى أن الأنباء ذكرت مؤخراً عن حشود عسكرية على الحدود العراقية السورية لدعم مواقف النظام هناك. ناهيك عن الحضور اللوجستي المستمر على أرض الواقع للميليشيات والفيالق المتعاطفة مع طهران وحليفها التاريخي في دمشق. أيضاً تأتي الدعوة لعقد قمة دول عدم الانحياز في طهران كمحاولة لتخفيف الضغط الدولي على دمشق مما يعني أن أجندة المؤتمر منحازة فعلاً لجرائم النظام هناك ومنحازة أيضاً للشريك الاستراتيجي الأعظم الذي ظل يُسقط " بالفيتو " كل المحاولات الأممية لوقف المجازر في دمشق أو حتى مجرد صياغة معادلة أممية ناجعة تضمن الحرية والديمقراطية للشعب الثائر هناك على عقود من القهر والظلم السلطوي. أيضاً فكرة المؤتمر الذي تتسلم إيران رئاسته حتى 2015 م هو تفريغ للمحتوى والمبدأ الذي قامت على أساسه حركة عدم الانحياز بعد الحرب العالمية الثانية " 1939- 1945 " فالدول التي حضرت مؤتمر باندونغ عام 1955م إثر تلاقي أفكار رئيس الوزراء الهندي جواهر نهرو والرئيس المصري جمال عبدالناصر والرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو. فقد تعاطى أولئك القادة ومن تبعهم من بعض قادة العالم بحماسة مع فكرة الحركة حتى أصبح عدد أعضائها 116 دولة اختارت الوقوف على الحياد فيما عقب الحرب العالمية ودخول العالم فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الروسي الشرقي والأمريكي الغربي بيد أن إيران بحكم الموقف الروسي المتشدد تجاه سوريا والتحشيد له باسترجاع المجد الروسي وعموم المعسكر الشرقي لمقابلة الطرف الأمريكي الذي يتخذ موقفاً مضاداً. لذلك نجد أن إقحام دول عدم الانحياز في الموقف هو حقيقة استمالة للرأي الحر وعسكره مُبطنة لعدم الانحياز لجرها قسراً نحو المعسكر الروسي والانحياز معه خاصة في القضية السورية وهو مشروع يُميت الحركة إذا ما تخلت عن حيادها التاريخي تجاه أطراف النزاع العالمي وبؤر الحرب الباردة. ولكن كما يقال محلياً " آخر العلاج الكي " فربما فضلت إيران المناورة الأخيرة دبلوماسياً وهي في موقف المحاصر لدعم حليفها السوري باستخدام ورقة عدم الانحياز واستثمار ترأس إيران لدورته لتمرير ما يمكن أن يسعف الموقف السوري خاصة وأن السعودية الند الأكبر لإيران في المنطقة قد حشدت لمؤتمر كبير تحت مظلة التضامن الإسلامي في مكة المكرمة ليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك ليقول العالم الإسلامي قولته في الكثير من المواقف التي تعتري الأمة خاصة في سوريا وبورما والقضايا التاريخية الأخرى كما في القدس ومن المتوقع أن يحصد هذا المؤتمر وفقاً لتوقيته ومكان إقامته وللظروف المحيطة بالأمة الكثير من المنجزات بينما تظل إيران التي يرجح حضورها بقوة إلى هذا المؤتمر أن تستمر في دق إسفين في قراراته كما هي أيضاً مستمرة في دق الكثير من الأسافين في المؤتمرات والمواقف المناهضة لفكرها وخططها لاسيَّما وأن إيران تُحضر الآن لتابوت حركة عدم الانحياز حين توجه فكر الحركة قسراً للانحياز الفعلي نحو سوريا ومشاركة الروس طموحاتهم هناك وهذا انحياز للظلم والقهر وهو ما يتعارض مع ميثاق الحركة .