20 سبتمبر 2025
تسجيلكفاءة خدمت التعليم منذ الستينيات وبعدها في الإسكان الحكومي لعقود طويلة أهل قطر يستحقون مِنّا لمسة وفاء بتوثيق إنجازاتهم التي تُكتب بأحرف من نور سبحان من له الدوام، فقد شاء القدر أن أكون جالسا مع الفقيد الراحل – بإذن الله تعالى – سعد بن راشد آل حسين الكبيسي، في مساء يوم الإثنين الماضي بمجلس الأخ محمد بن علي آل حسين الكبيسي، وفي صباح اليوم التالي لهذا اللقاء تلقيت النبأ الحزين برحيل الفقيد سعد الكبيسي، حيث انتقل إلى جوار ربه في اليوم التالي (الثلاثاء 10 يوليو 2018 م) عن عمر ناهز السابعة والستين (67) سنة، بعد رحلة طويلة من العطاء لهذا الوطن في مجال التعليم والإسكان الحكومي، رحمه الله رحمة واسعة. المرحوم سعد بن راشد الكبيسي أحد أبناء قطر الأوفياء الذين خالطتُهم لفترة طويلة، فقد عرفت سجاياه وخصاله الطيبة عن كثب، والتقيت به لأول مرة من خلال رئاسته للإسكان الحكومي التي أدارها لسنوات بكفاءة عالية وحنكة إدارية متميزة، وبعد ذلك تشرفت بلقائه مراراً في جامعة قطر، عندما كان يتردد على زيارتي في مكتبي الخاص لمتابعة دراسة ابنه "راشد"، حيث كان حريصاً على الاهتمام بأداء ابنه وهذه سمة لا يمتاز بها كل أب في هذه الأيام، وكان الفقيد نِعْمَ الشخصية المخلوقة في التعامل مع الغير بأدب رفيع وخلق قويم وسجايا نفخر بها؛ لكونها جزء لا تتجزأ من قبل "أبناء قطر" الذين امتازوا بتلك القيم النبيلة. ولادته وبيئته: وُلد سعد بن راشد الكبيسي في مدينة (الجميل) بشمال قطر الساحلي حوالي سنة 1951م، وعاصر حياة أجداده من أسرة "لكبسة" الكريمة، عندما ركب أهلها البحر للغوص على اللؤلؤ وخاضوا غمار البحر بكل شجاعة من أجل لقمة العيش، بحثا عن الرزق الحلال في غياهب البحر ومتاهاته، وقد التحق الفقيد في مجال التعليم بشمال قطر وكان مجتهدا في التدريس الذي برع فيه واكتسب منه تجربة أفادته كثيرا في حياته الإدارية، بعد أن خلد سجلا حافلا بالإنتاج والإبداع في خدمة هذا الوطن العزيز الذي سيظل يتذكره ويتذكر أمثاله، كما سيفخر بمناقبه و إخلاصه له على مدى عقود مضت قضاها في المجال التربوي، أما ذريته فقد رزق (7) من الإناث، و(3) أبناء، وهم: راشد (نال درجة البكالوريوس)، ومحمد (نال درجة الماجستير)، وخليفة (نال درجة البكالوريوس)، وللفقيد سعد (4) إخوة، وهم: محمد وحسين وعبدالله وعلي. ومن علامات الخير والصلاح يوم رحيل الفقيد أنه كان صائماً لليوم السادس من الأيام الستة من شوال، ندعو الله عز وجل أن يتبقل منه عمله ويجزيه خير الجزاء، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا). مشواره مع التعليم: لعل البدايات الأولى لظهور التعليم النظامي في قطر الذي بدأ مع السنوات الأولى في خمسينيات القرن الماضي، حيث تطورت بعد ذلك في فترتي الستينيات والسبعبنبات، فقد كان الفقيد سعد الكبيسي يكافح في تعليمه، فقد درس حتى الصف الرابع الابتدائي في مدينة (الجميل) بالشمال، وأكمل الصفين الخامس والسادس في مدينة (باظلوف) بالشمال أيضا، تم انتقل من شمال قطر ليسكن الدوحة العاصمة ويكمل دراسة المرحلة الابتدائية سنة 1964م، وتخرج من المرحلة الإعدادية سنة 1967م، ثم انتظم بالدراسة في (دار المعلمين) التي تخرج منها سنة 1970 م، وحصل على الشهادة الثانوية بنظام الثلاث سنوات الليلية في سنة 1972م، ونال درجة البكالوريوس من جامعة قطر سنة 1977م، حيث تخرج ضمن طلبة الجامعة في الدفعة الأولى التي شرفها حضور أمير قطر الراحل الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني رحمه الله، وقد عمل الفقيد مديراً لبعض المدارس بوزارة التربية والتعليم، منها: مدرسة الخليج العربي الابتدائية ومدرسة الدوحة الإعدادية سنة 1978م، ثم انتقل للعمل الإداري بالوزارة، حيث كلف بوظيفة رئيس قسم التدريب والتأهيل التربوي سنة 1979م. قيادات قطرية خدمت التعليم: ومن الأسماء القطرية التي عاصرت المربي الفاضل سعد بن راشد الكبيسي في فترة الدراسة والتخرج بعد ذلك من "دار المعلمين" منذ أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، نذكر منها: الدكتور عبدالرحمن حسن الإبراهيم (الأول على الطلبة)، وعلي فرج الأنصاري، وغلوم عبدالله، وعيسى نجم الهتمي، وعيسى مرحب البن علي، وعبدالله علي الإبراهيم، وسلمان حسن جاسم، ومحمد جبر النعيمي، وحمد برقش النعيمي، وإبراهيم النعيمي، وسعد الشروقي، ومحمد حسن الصديقي، وبطي صالح الهتمي، وعبدالله عبدالحسين، وغازي حسين، وعيسى الهزاع، ويوسف أحمد، وسعد بن محمد بوجابر الكبيسي، وجاسم زينل، وعبدالواحد جاسم، وعبدالله محمود، وإسماعيل السيد، وعيسى سلمان المحري المهندي، وسلمان علي السليطي، ومحمد علي حسين الكبيسي، ورستم باقر، وعلي حسن الدرهم، وعمير بن ناصر النعيمي، وحمد علي المري، وعبدالله إسماعيل رجب، وعبدالله المطوع، وعبدالله إبراهيم البن علي، والدكتور عبدالعزيز المغيصيب، وإبراهيم صقر المريخي، ومحمد يوسف المالكي، والدكتور علي أحمد الكبيسي، والباحثة في التراث الشعبي أم خلف .. وغيرهم كثير. عمله بوزارة المالية والبترول: حيث عمل الفقيد بوزارة المالية والبترول في عهد الشيخ عبدالعزيز بن خليفة آل ثاني وزير المالية والبترول، في تلك الفترة بعهدها الزاهر، والتحق بالوزارة حوالي سنة 1981م تقريبا، وذلك في مكتب الوزير بوظيفة باحث، ثم بوظيفة رئيس الإسكان الحكومي بترشيح وتزكية من الوزير، وكان حينها يدير الإسكان بمهارة عالية وقدم خدمات جليلة لكل أهل قطر دون استثناء بشهادة الكثير من الذين عاصروه. عودته للتربية: ثم انتقل من وزارة المالية والبترول للعمل من جديد في وزارة التربية والتعليم سنة 1990م، حيث عاصر أكثر من وزير، منهم عبدالعزيز عبدالله تركي السبيعي، والدكتور محمد عبدالرحيم كافود، وحينها تقلد الفقيد وظيفة مدير إدارة التخطيط التربوي والمتابعة بمكتب الوزير بن تركي، وظل يعمل بإخلاص في هذه الوظيفة لفترة من الزمن، ثم عُيِّنَ في وظيفة موجه في التعليم الأهلي، واستمر عطاؤه في وزارة التعليم حتى تقاعد عن العمل في الدولة بتاريخ الأول من شهر يناير 2013م. تكريم بُناة الوطن: كنّا وما زلنا نطالب دائما وعبر هذا المنبر بالاهتمام بسيرة ومسيرة أعلام قطر الذين خدموا بلدهم على أكمل وجه، حيث يجب أن تفرد سيرهم الذاتية في صفحات الكتب لتخليدها لأجيال اليوم والأجيال القادمة، وهذا بلا شك يتطلب من الجهات المسؤولة في الدولة، سواء كانت الثقافية أو التربوية أو الاجتماعية أن تبادر لتحقيق مثل هذه المبادرة الخلاقة لتدوين تاريخنا الاجتماعي والثقافي والتربوي وسير أعلامه الذين أبلوا بلاء حسنا لأجل قطر الخير والمحبة ونشر الوعي في ربوع الوطن. كلمة أخيرة : يرحل الرجال والنساء من أعلام هذا الوطن الذين قدموا حياتهم لأجله لتبقى قطر خالدة إلى الأبد، ولهذا فإن أمثال هذه الشخصيات وغيرها تستحق منّا لمسة وفاء في يوم وداعها ورحيلها عن الدنيا؛ لأنها زرعت وبذرت البذرة الصحيحة، ومن ثم نلنا نحن حصاد ما زرعوا، وصدق المثل الشعبي القائل: "تفنى الجسوم وتبقى الرسوم"، رحم الله سعد بن راشد الكبيسي (الوالد والصديق الذي تشرفت بمعرفته ومجالسته لسنوات) ... وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.