14 أكتوبر 2025

تسجيل

فتنة المال (4)

12 يوليو 2015

أما الآفة الرابعة فهي: الحرص والطمع، اللذان يُزْرِيان بالمرء، ويَحُطّان من قدره، ويُسقطان مروءته، وينغِّصان عيشه، وفوق هذا كله يفسدان دينه، جاء في الحديث:(ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم، بأفْسَد لها من حرص المرء على المالِ والشرفِ لدينه)، والشرف هنا، حب العُلُوّ والسمعة.واعلم أن الحرص والطمع فيهما الذل والتعب، وضِدُّهما القناعة واليأس وفيهما العز والراحة، قال صالح بن عبد القدوس الشاعرُ العباسيّ:لا تَحْرِصنْ فالحرصُ ليس بزائدٍ في الرزق بل يُشقي الحريصَ ويُتعِبُولا بدَّ من رياضة النفسِ على القناعة والرضا بما قد قُسم، وترغيبها في ذلك، حتى تُغيّر طباعها المذمومة، وأخلاقها الرذيلة، كالحرص والطمع والشح، وغير ذلك، لكي تَنْعم وتنتفع بعيشها، قال أبو ذُؤيِّب الهُذَلي:والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتها وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقْنعُولمَ حب الاستكثار من المال؟ والتزيد منه بأية وسيلة كانت، مهما كلف الأمر، ولو على حساب النفس والآخرين، وعلى ضياع الآخرة والدين، وهو كما سمّاه رسول الله (أوساخ أيدي الناس) قال أبو العلاء المعريّ:عَجِبتُ لمالكِ القِنطارِ من ذهبٍ يَبْغي الزيادةَ والقِيراطُ كافيهِوكثرةُ المالِ ساقتْ للفتى شَراً كالذَّيل عَثَّرَ عند المشيِ ضافيههذه هي فتنة المال، التي تنكشف أمامها حقيقة طباع الناس، ويَظهر عندها جوهر معادنهم، فيمتاز الزائف من الأصلي، والخالصُ من البَهْرَج، فالمال يعدُّ بحق القِسْطاس المستقيم، الذي يَزِن الرجال، فيبيِّن قيمتهم، ويحدِّد معرفتهم، هو وميزانان آخران وضَعَهُا لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما ورد عنه في الأثر، أن رجلاً جاءه يشهد لرجلٍ، فقال له عمر: أتعرف هذا الرجل؟ قال: نعم، قال: هو جارك الذي تعرفُ ليلَهُ ونهارَهُ ومَدْخَلَه ومَخْرَجه؟ قال: لا، قال: فعامَلَك بالدرهم والدينار اللذين يستدلُّ بهما على الورع؟ قال: لا، قال: فصاحبك في السفر الذي يستَدَلُّ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه، أظنك والله رأيته قائماً وقاعداً يصلي في المسجد، يرفع رأسه تارةً ويخفضه أخرى. اللهم نجِّنا من فتنة المال، ونعوذ بك من مالٍ يكون علينا عذاباً، ونسألك أن تجعل المال في أيدينا، وألا تجعله في قلوبنا.