19 سبتمبر 2025
تسجيلتحاول مصر ممثلة في قيادتها الجديدة المشير عبد الفتاح السيسي، أن تحدث اختراقات في علاقتها مع السودان ومن ثمّ علاقتها بأثيوبيا خاصة وإفريقيا عامة.. زيارة السيسي الجمعة قبل الماضية للخرطوم بالرغم من كونها لم تتجاوز عدة ساعات؛ إلا أنها كانت ذات دلالات عميقة.. بعد أن (انتهت) معركة السيسي الداخلية اتجه لترميم سياسة مصر الخارجية؛ إذ لا تكفيها علاقة تنسيقية وربما استراتيجية مع إسرائيل أو حتى علاقات قوية مع السعودية وعدد من دول الخليج؛ فالسودان والفضاء الإفريقي قضية مهمة لمصر من الناحية السياسية والاقتصادية.. فالمجموعة الإفريقية أقرب المجموعات الدولية والإقليمية لمصر، وتستطيع أن تلعب فيها القاهرة أدوارا خطيرة لصالحها إقليميا ودوليا وليس من المنطق أن تظل مصر منعزلة وربما منبوذة من المجموعة الإفريقية بسبب ما حدث جراء الاطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.. وكانت مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر دولة قائدة ومؤثرة في الاتحاد الإفريقي – منظمة الوحدة الإفريقية سابقا – وعبرها كان لمصر وزن سياسي إقليمي ودولي كبير ولعبت دورا بارزا في منظمة دول عدم الانحياز بل تمكنت من كبح جماح الاطماع الإسرائيلية في إفريقيا.. كذلك فإن الأزمة الاقتصادية في مصر خاصة عدم قدرتها على توفير الغذاء الرئيسي لمواطنيها وهو محصول القمح، فإنها في حاجة لعلاقات اقتصادية قوية مع إفريقيا خاصة جارتها في الجنوب (السودان) الذي يتمتع بأراض زراعية شاسعة وصالحة للزراعة وتستوعب ببساطة وبكفاءة عالية حاجة مصر لتوفير غذائها الرئيسي. لكن على مصر في عهد السيسي أن تستوعب عدة متغيرات وهي تسعى لترميم علاقتها بإفريقيا والسودان.. لعل السد الأثيوبي الذي يعرف بسد الألفية أو سد النهضة الذي بدأ العمل فيه فعليا وينتهي في 2017 هو المتغير الأهم.. ولم يكن متغيرا مهما لو لا حساسية مصر تجاه قيام سدود على نهر النيل خارج حدودها.. مصر أعترضت بشدة على السد ومازالت في الوقت الذي قطع العمل فيه شوطا كبيرا، وتقول مصر أن السد سيؤثر على حصتها من المياه، في حين تقول أثيوبيا أنها ليست في حاجة لمياه بقدر ما هي تسعى لتوليد الطاقة الكهربائية التي سوف تصدرها إلى أوروبا بحلول عام 2020.. وهدف أثيوبيا من التخزين التوليد الكهربائي وليس ري المشاريع الزراعية فهي تقع في منطقة مطيرة كما أن الانحدار الشديد للهضبة الأثيوبية لا يمكن من اقامة مشاريع زراعية بمساحات ضخمة تستوعب كميات كبيرة من المياه المخزنة. على القاهرة أن تراعي أن للسودان مصلحة اقتصادية كبيرة في قيام السد الأثيوبي ولذا يؤيد موقف أثيوبيا، وفي نفس الوقت عليها أن تراعي أن الخرطوم تقف معها في أمر أخطر من موضوع السد الأثيوبي وهي اتفاقية مياه النيل التي يراد لها أن تستبدل باتفاقية جديدة تسمى اتفاقية عنتيبي.. فقد كانت هناك على الدوام مطالبات متزايدة لبعض دول حوض النيل بإعادة النظر في الاتفاقيات القديمة، فقد هددت (تنزانيا وكينيا وأثيوبيا) بتنفيذ مشروعات سدود قد تقلل من كميات المياه التي ترد إلى مصر ما لم يتم تعديل اتفاقية المياه السارية اليوم.. لكن من حسن الطالع أن هذه التهديدات لم ينفذ أغلبها، وقابلتها القاهرة بمحاولات تهدئة وتعاون فني واقتصادي وأحيانًا تقديم مساعدات لهذه الدول. لكن دول حوض النيل الـ(11) – عدا مصر والسودان - مضت قدما في توقيع اتفاقية بديلة لاتفاقية مياه النيل اسمتها اتفاقية عنتيبي لاعادة توزيع حصص مياه النيل وفقا لقاعدة جديدة عرفت بقاعدة (المنصف والمعقول).. وعليه فإن جبهة اتفاقية عنتيبي هي الأولى بالعناية وبالتالي فإن تبريد الجبهة الأخرى - السد الأثيوبي - ضرورة على الأقل في الوقت الحالي. إن وضع الأمر في اطار خلافات فنية وقانونية هو الطريق الآمن لحل المشكلات.السودان ظل يأخذ على النظم الحاكمة في مصر وضعها علاقات البلدين في إطار أمني بحت وليس في إطار تكاملي واقتصادي؛ فالسودان ظل ملفا أمنيا في الاستخبارات المصرية وليس ملفا سياسيا في وزارة الخارجية الأمر الذي عطل انطلاق العلاقات بين البلدين في رحاب المصالح الاستراتيجية المتبادلة.. ولا يبدو أن طريق إقامة علاقات طبيعية بين السودان ومصر في عهد الرئيس السيسي سيكون مفروشا بالورود.. إذ لا تكفي النوايا الحسنة ولا العاطفة الجياشة في عالم السياسة الدولية بالغ التعقيد.. إن كان الحديث (الكلاسيكي) بشأن أن مصر امتداد طبيعي للسودان وكذا السودان امتداد طبيعي لمصر ديدن سياسيي البلدين منذ عهود طويلة دون جدوى، فإنه حان الوقت لأن تتجاوز العلاقات محطة (الكلاسيكية) إلى محطة الفعل الحقيقي.. للشعبين المصري والسوداني آمال وأحلام كبيرة في تحقيق التكامل الذي أصبح ضرورة ملحة.