14 سبتمبر 2025
تسجيلخطبة أبو بكر البغدادي (أمير المؤمنين ) الجمعة الماضية في أعرق مساجد الموصل كانت رسالة مليئة بالرمزيات للعرب وغير العرب من دول الجوار وصولا إلى الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي أشغل كثيرون أنفسهم بنوع الساعة التي كان البغدادي يرتديها بيمينه كانت خطبته ذات دلالة بالغة على عزيمته في تحقيق مشروعه الذي جاء من أجله . ومن يظن أن إعلان الخلافة في العراق والشام على يد تنظيم الدولة هي مجرد سخافة أو مزحة ثقيلة فهو واهم ، فالخلافة لم تُعلن ليتم القضاء عليها حتى إن تمكن التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب في القضاء على قيادات الصف الأول من التنظيم ، فإنه لن يستطيع أن يقضي على حلم الجهاديين الذي بدأ يتحول الى واقع . المسألة أكثر جدية وأبعد خطورة وأعمق دلالة مما يرى كثيرون. فمع ما بدا سقوطاً لبعض النظم العربية نتيجة الحراكات الشعبية التي أُطلق عليها "الربيع العربي" نهاية العام 2010 ومطلع العام 2011 ، ذهب أغلب المتخصصين في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة على أنها النهاية لأدبيات وطروحات "تيار الجهاد العالمي" الذي كان يؤمن بالعنف المسلح سبيلا وحيداً لتغيير النظم الفاسدة ، إلا أن الذهول خيم على الجميع بعد الصعود المدوي لتيارات الجهاد العالمي عقب تعثر الثورات في عدد من المناطق مثل سوريا واليمن وليبيا ومصر . بل وجدنا أن أغلب المناطق التي تنشط فيها التنظيمات الجهادية هي تلك التي طالتها الثورات العربية بشكل أو بآخر ، وهو ما يعيد طرح اشكالية ولادة وتنامي التيارات الجهادية . وكانت الإشكالية الثانية هو بروز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بقوة في العراق بعد أن ظنّ كثيرون أنه تلاشى تحت ضربات القوات الأمريكية والعراقية ومن ثم تمدده الى سوريا وتصدره المشهد في كل من البلدين.وتزداد الحيرة حين البحث عن الأسباب التي تدفع تنظيم الدولة الإسلامية للإنشقاق عن تنظيم القاعدة الأم ، وانتهاجه سبيلا أكثر رادكيالية في الوقت التي تؤكد الوثائق الأمريكية أن بن لادن قبيل مقتله كان بصدد إجراء مراجعات لأدبيات القاعدة على غرار تلك التي أجرتها عدد من التيارات الجهادية في مصر. ثم عن وجاهة الصراع الذي نشب بين فرع تنظيم القاعدة في سوريا "جبهة النصرة" وتنظيم الدولة (داعش) وصولا الى أبعاد اعلان البغدادي خلافته. وهي جملة تطورات حصلت ، إن كانت على صعيد التطور الفكري أو الانشطار التنظيمي أو التمدد العسكري أو الاقتتال الداخلي .وفي تقديري أن الظواهر الاجتماعية والفكرية والسياسية التي تعج بها منطقتنا تتطلب منا قراءة أكثر عمقا وأوسع أفقا وأبعد مدى في التعاطي مع هذه المتغيرات إذا كنا نرغب أن نؤسس لنهضة حديثة شاملة تضعنا على سكة القطار كحال بقية الشعوب من حولنا.ويدرك المتابع لخط سير الأحداث وأنواعها في العالمين العربي والإسلامي وإلى حد ما العالم الغربي بعد الانتخابات الأخيرة التي أجريت في بعض الدول الأوروبية أن ظاهرة التشدد والعودة إلى الطروحات اليمينية أو القومية التي تعلي من شأن العرق داخل الدولة الواحدة تجتاح العالم. وهي في العالمين العربي والإسلامي بالغة الظهور حتى لا تحتاج إلى أمثلة للتأكيد عليها. وإن كان الفرق بين الغرب والشرق أن صناديق الإقتراع في الغرب هي من تأتي بالأحزاب اليمينية إلى السلطة في حين محاربة الديموقراطيات وقطع الطرق على الشعوب في حكم نفسها بنفسها هو من يفتح الباب على مصراعيه لقوى التشدد والتطرف والتوجهات الراديكالية دينياً للظهور.ويصاحب صعود ظاهرة التشدد في العالم العربي ومحيطه الجغرافي احتقان مذهبي انعكس حربا حقيقية على أسس مذهبية في العراق وسوريا واليمن وربما دول أخرى في قادم الأيام لا سمح الله .ويبدو أن الإسلاميين لن تردعهم كل أساليب القمع والملاحقة من تحقيق مرادهم في إقامة دول يرون أنها إسلامية سواء جاءت عبر طروحات فكرية وتثقيف جماهيري كما يعتمد حزب التحرير وجماعة الإخوان المسلمين أو سلكت سبيل التغيير بالقوة كما تفعل تيارات الجهاد العالمي مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية . وفي ظني أن تجارب العالم في القضاء على الإسلاميين بالقبضة الأمنية فشلت تماما . وأفغانستان والعراق واليمن وليبيا خير شاهد على هذا الأمر ، ولا بد للجهات المعنية في احتواء الإسلاميين البحث عن وسائل أكثر جدوى من الحلول الأمنية.