11 سبتمبر 2025

تسجيل

أمريكا عراب جديد للقارة الإفريقية

12 يوليو 2013

ولما أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل وتجسد الاستعمار الجديد، الذي يعمل على فرض أمركة العالم، وتكييف النظام الدولي لمتطلبات العولمة المالية، التي راحت تفرخ استخدام القوة العسكرية المباشرة، كإحدى أدوات السياسة الخارجية الأمريكية من دون تفويض من مجلس الأمن، صممت الولايات المتحدة على تعزيز سيطرتها في القارة الإفريقية. وإزالة أسطورة القوة الاستعمارية الفرنسية. والفرنكوفونية. أثناء هذا الصراع العالمي بين الإنجلوفونية والفرنكوفونية. استهل الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون جولة تاريخية في إفريقيا، التي كانت تمزقها الحروب الأهلية، والعرقية، والفقر والمجاعة، والفوضى والكوارث الطبيعية وبخاصة التصحر والجفاف والتي أصبحت في نظر واشنطن الآن تعتبر أخر الفضاءات العذراء التي يتوجب على المستثمرين الأمريكيين غزوها تحت مظلة الاندماج في الاقتصاد العالمي. شملت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى القارة الإفريقية ثلاثة بلدان، استهلها يوم 27 يونيو الماضي، بزيارة السنغال التي تنتمي إلى إفريقيا الفرانكوفونية من بين البلدان الثلاثة التي زارها، والسنغال وحدها دون غيرها تعتبر محطة الثقل الفرنسية ولذلك اعتبرت الزيارة رسالة موجهة لفرنسا. في السنغال أشاد الرئيس أوباما بهذا البلد الذي يتمسك بالديمقراطية على رغم انعدام الاستقرار في المنطقة.. أما زيارة جنوب إفريقيا فقد اكتسبت أهمية خاصة بسبب الثقل العالمي للرئيس نيلسون مانديلا كآخر عمالقة هذا القرن، الذي يجسد الشجاعة، وثورة الرجل الأسود المهان ضد العنصرية في نظر الزنوج الأمريكيين، وبسبب أيضاً انتقاداته للسياسة الأمريكية التي تحاول أن تفرض آراءها على الآخرين، ولأن جنوب إفريقيا الدولة المستقرة والمنتصرة على سياسة التفرقة العنصرية والمنتهجة للديمقراطية والتعددية السياسية هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. ففي مؤتمر صحفي مع نظيره الإفريقي الجنوبي جاكوب زوما، قال أوباما إن "شجاعة نلسون مانديلا كانت مصدر إلهام لي شخصياً وللعالم بأسره". وكانت صحة مانديلا فرضت نفسها على جدول أعمال زيارة أوباما لجنوب إفريقيا، وبينها ملفات اقتصادية، ذلك أن 600 شركة أمريكية تتمركز في جنوب إفريقيا وتوظف نحو 150 ألف شخص. واختتم كلينتون جولته الإفريقية بزيارة تنزانيا، حيث التقى الرئيس جاكايا كيكواتي، وزار محطة أوبونغو الكهربائية، التي تديرها شركة "سيمبيون" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها. و في تنزانيا دشن الرئيس الأمريكي مشروعاً يسمى "التجارة مع إفريقيا" الذي يركز بداية على تكتل تجاري في شرق القارة الذي يقطنه 130 مليون نسمة، على أن يصار إلى توسيع المشروع لاحقاً. و كان أوباما أعلن في الكاب في جنوب إفريقيا، عن مشروع بقيمة 7 مليارات دولار لتوفير الكهرباء لدول إفريقية جنوب الصحراء، حيث يعيش أكثر من ثلثي سكان جنوب الصحراء من دون كهرباء مثل أكثر من 85 في المئة من سكان المناطق الريفية، استنادا إلى لبيت الأبيض الذي أوضح أن المشروع الذي أطلق عليه اسم "باور أفريكا" سيعتمد على إمكانات الطاقة الهائلة في إفريقيا بما فيها الاحتياط الكبير من النفط والغاز وعلى إمكانات تطوير الطاقة النظيفة: الطاقة الحرارية الأرضية الكهربائية والشمسية وطاقة الرياح. وجاءت زيارة أوباما لدار السلام بعد ثلاثة أشهر من زيارة قام بها الرئيس الصيني تشي جينبينغ للبلاد بعد توليه السلطة.و يرى كثير من الأفارقة في جولة الرئيس الأمريكي في إفريقيا التي شملت ثلاث دول محاولة لمواكبة تحركات الصين.و أنشأت الصين طرقاً ومطارات وغيرها من مشاريع البنية التحتية في إفريقيا، ولكن عليها أن تتجنب بعض الانتقادات في شأن تجفيف القارة من ثرواتها المعدنية لتشغيل قاعدتها الصناعية الضخمة.و تجري تنزانيا محادثات مع الصين في شأن خطط لإنشاء ميناء جديد. في ظل انتشار العولمة الليبرالية، ومع ازدياد سرعة النقل والمواصلات واتساع الأسواق، وإزالة الحواجز أمام انتقال السلع والخدمات والأشخاص والمعلومات والأفكار، أصبحت عدة قوى إفريقية صاعدة ذات علاقات وثيقة بواشنطن، تعتبر النموذج الأميركي مثالاً يحتذى به، خصوصاً مع التقلص المستمر والمتسارع للفضاء الاقتصادي والثقافي ومن ثم السياسي للفرانكوفونية في القارة الإفريقية لمصلحة المجال الأنجلوفوني الذي ترعاه الولايات المتحدة.ان الدخول الأميركي في بقية إفريقيا"المفيدة " يثير العجب عندما ننظر من خلال الخارطة إلى حجمه، ففي الواقع كل هذه الدول من زائير سابقا إلى جمهورية الكونغو وغينيا والغابون والكاميرو والسنغال وإفريقيا الوسطى وأوغندا، وجنوب إفريقيا وتنزانيا...الخ تمثل مصالح اقتصادية وإستراتيجية عظمى..و بمعنى آخر تحولت المنطقة السابقة لنفوذ الفرنك كي تصبح منطقة للدولار. ودخلت السياسة الخارجية الأمريكية في مرحلة جديدة من العلاقات مع القارة الإفريقية، بعد أن ابتعدت أكثرية الدول الإفريقية عن الاقتصاد الموجه شيئا فشيئا، حين كانت الدولة المركزية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، في الاقتصاد والمجتمع، وتعلن عن الخطط الخمسية الطموحة للتنمية، وهي في كثير من الأحيان تتبنى الاشتراكية ذات الخصوصية الوطنية. ويركز الخطاب الأمريكي الحالي على فشل العقود الأربعة الماضية التي تلت سنوات الاستقلال للبلدان الإفريقية، وعلى فشل مختلف " نماذج" التنمية فيها من الاشتراكية الشخصانية التي طبقها كل من جوليوس نيريري في تنزانيا وكينيث كواندا في زامبيا، التي اتسمت بهيمنة الحزب الواحد، إلى الماركسية اللينينية التي طبقت بشكل مأساوي في إثيوبيا وأنغولا وبينين، وأخيراُ ديمقراطية الحزب الواحد الشمولي في (زائير وكينيا) والرئاسة مدى الحياة في كل من (إفريقيا الوسطى وملاوي). ومن وجهة نظر واشنطن أعطى انهيار النموذج الاشتراكي في أوروبا الشرقية دفعة قوية للإصلاحات السياسية في إفريقيا منذ بداية عقد التسعينات، حيث تبنت عدة أنظمة إفريقية نموذج التعددية السياسية، الذي يندرج ضمن سياق إعادة تأهيل النظم القائمة، لا ضمن آفاق التحرر من نظام الحزب الواحد وبناء ديمقراطية فعلية. ففي عدة بلدان إفريقية جنوبي الصحراء تم تنصيب فئة: "الذئاب الشابة " ممثلة الطبقة السياسية الجديدة الحريصة جداً على الاغتناء بسرعة قبل إقالتها أو الإطاحة بها، والمتلهفة أيضاً " للسلطة من أجل السلطة " أكثر من أسلافها. وبشكل عام، فإن اللعبة السياسية في تلك البلدان ظلت محكومة بأساليب الأنظمة القديمة التي عرفت كيف تجتاز الأزمات السياسية منذ الاستقلال، ولم تعد ترى ضيراً من أن تعلن نفسها ديمقراطية لكي يتطابق خطابها مع الخطاب السياسي الجديد السائد عالمياً ومفرداته حول حقوق الإنسان والديمقراطية. وإذا كان الخطاب الأمريكي يطنب في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن الولايات المتحدة دعمت طول سنوات الأنظمة الديكتاتورية التي كانت سائدة في القارة الإفريقية، والتي اتسم عهدها بانتشار الفساد في معظم الحكومات، وبغياب القانون، وبتغلب مصالح النخب على مصالح الشعوب. والإدارة الأميركية تغمض عينيها عن أماكن كثيرة تمارس القمع والإكراه، ولكنها معمدة بالمياه الأمريكية، ومحمية بروح البيت الأبيض المقدس، مثل نظام موسوفيني الذي له مفهومه الخاص للديمقراطية، يقوم على تفضيل الحزب الواحد، ويعتبر حزبه هو الحزب الشرعي الوحيد، لأن ما يهمها بالدرجة الأولى هو التجارة، واندماج إفريقيا في دواليب الاقتصاد العالمي. والرئيس أوباما زار إفريقيا متسلحاً بمضاعفة النمو والفرص فيها، بالقانون التجاري الأمريكي الذي أقر في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، والذي يندرج ضمن سياسة الولايات المتحدة الجديدة في إفريقيا والتي تعتمد على المشاركة لا على المساعدة (Trade- -Notaid) وعلى إزالة الحواجز. الجمركية الأمريكية عن صادرات 48 دولة إفريقية تقع في المنطقة ما دون الصحراوية التي زارها أكثر من رئيس أميركي، كما يفتح القارة الإفريقية للاستثمارات الأميركية في الدول التي تتبع الليبرالية الاقتصادية وتخضع لقوانين صندوق النقد الدولي، وذلك بدلاً من سياسة المعونات. لالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، تشكل إفريقيا سوقا غير مستغلة، قوامها 600 إلى 700 مليون مستهلك، لا يصلهم سوى (7%) من صادرات الولايات المتحدة التي لا تتعدى حصة إفريقيا من استيرادها سوى (1%) رغم أن حصة إفريقيا من فرص العمل التي أوجدتها التجارة الخارجية 2 مليون وظيفة لا تتعدى 100 ألف.. كما يؤكد كبار الساسة الأمريكيين أن الموجة الجديدة من الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، واقتصاد السوق يجب أن توضع موضع التنفيذ، وعلى الولايات المتحدة أن تلعب دوراً رئيساً في تغيير إفريقيا على الصعد السياسية والاقتصادية والتجارية، باعتبار أن هذا الدور ضروري لتسريع عملية اندماج إفريقيا في الاقتصاد العالمي، ولخدمة مصالح الولايات المتحدة. وهذه السياسة تقوم على تفكيك الدول الإفريقية نفسها، وتسليم مهامها ووظائفها لتتولاها الشركات العملاقة متعدية الجنسيات، أو المؤسسات المالية الدولية التي تتكلم باسم هذه الشركات العملاقة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي عصر العولمة الرأسمالية الجديدة، يتحدد نجاح أو تهميش الاقتصادات الإفريقية، بالعلاقة التي توجد ما بين التجارة الخارجية والناتج الوطني الخام، وبحجم المنتجات الصناعية من مجموع الصادرات، وبحجم الاستثمارات الأجنبية، والقدرة على وفاء الديون.والحال هذه، فإن » المساعدات « تشكل المقوم الثاني في تشكيل الناتج الوطني الخام في إفريقيا، باستثناء جنوب إفريقيا. وهذه المساعدات تشكل 11%، مقارنة مع 1.2% في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، و0.7% في أسيا، و0.4% في أميركا اللاتينية. وهذه المساعدات التي تمنحها الولايات المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي تمثل في حد ذاتها صناعة استثمارية. لأن المستدينين مطالبون بفتح اعتمادات، يستخدمونها لاستيراد الخيرات الاستهلاكية والخدمات من الدول الرأسمالية الغربية، ومن أجل تنفيذ مشاريع لا تلبي حاجيات التطور المحلية للدول الإفريقية. العديد من القادة الأفارقة تحفظ على سياسة واشنطن التجارية تجاه إفريقيا لأنها لن تحقق ما يقوله الأميركيون من أنها تقوم على أساس المشاركة الفعّالة (Partner not Patron)، في محاولة لإقناع الرئيس الأميركي بأن مبدأ الشراكة التجارية لا ينبغي أن يلغي المعونات أو يكون بديلا لها، إنما مبدأ الشراكة المعزز بالمعونات هو الأساس القديم لتحقيق مبدأ الشراكة.