13 سبتمبر 2025

تسجيل

الرئاسة بين حسن التدبير وعش الدبابير (2)

12 يوليو 2012

أورد السيوطي في الجامع الصغير بسند حسن عن أبي ذر الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عقل كالتدبير)، وقد تساءل الكثير عن سر إبطاء فخامة الرئيس محمد مرسي في الإعلان عن موقفه من مجلس الشعب والمجلس الرئاسي ومجلس الوزراء، وهي ملفات في أعلى درجات السخونة والأهمية أيضا، ومن حسن التدبير التأني في البحث والدراسة والاستشارة والاستخارة، وتقييم الأمر على وجوهه من ناحية الإيجابيات والسلبيات، والمصالح والمفاسد، والمنافع والمضار فيختار أحسن المصلحتين إن كان الأمر صافيا للمصالح، وهو غير موجود في أي قرار سياسي بعد الثورة، وإنما يكون المنهج هو الترجيح بين المصالح والمفاسد، أو ارتكاب أخف الضررين لمنع الضرر الأشد، وهذا كله من الاجتهاد في السياسة الشرعية مما تكون فيه الإصابة بأجرين والخطأ بأجر واحد، فيمضي صاحب القرار وهو راسخ أنه طالما يخلص لبلده، ويدقق في الأمر، ويستشير ويستخير ثم يصدر هذا القرار الشجاع فإنه توفيق من الله تعالى، وهو قرار يدل على أن صمت فخامة الرئيس هو صمت العاقل العامل، الحكيم الأريب، الذي يسبق فعله قوله، وهذا ليس إلا من حسن التدبير وبُعد النظر والتروي، وانحياز إلى دولة القانون، ومنع تغول سلطة على أخرى، فهو بالدستور والقانون هو الحارس للتوازن بين السلطات، فكل الذي فعله أنه ألغى قرار المجلس العسكري الذي تغول كثيرا على كل السلطات التشريعية والقضائية؛ فحكم المحكمة الدستورية الذي استند إليه هو من عش التدابير الذي نصبه ترزية القوانين خاصة عندما هدد الجنزوري د.الكتاتني رئيس مجلس الشعب المنتخب من ثلاثين مليونا قائلا: عندنا قرار حل المجلس في الدرج، وفي سابقة لا مثيل لها في تاريخ المحكمة الدستورية تم سلق الحكم في أربعين يوما على حين كان المحامون يطرقون كل أبواب القضاء لإسقاط عضوية شخص واحد فتصُمُّ السلطتان القضائية والتنفيذية آذانهما، وقد صرختْ في العالمين المستشارة العادلة الراقية نهى الزيني في انتخابات 2005م أنها سلمت نتائج الانتخابات بيديها أن د.جمال حشمت مرشح الإخوان المسلمين هو الفائز؛ لأنه قد حصل على ثلاثين ألف صوت، على حين حصل منافسه د.مصطفى الفقي سكرتير الرئيس المخلوع سابقا على سبعة آلاف صوت فقط، لكن بجاحة النظام وأدواته والإمعان في التزوير على يد بعض القضاة أعلنوا النتيجة عكسية تماما أن الفقي قد حصل على ثلاثين ألف صوت، وحشمت على سبعة آلاف صوت، وظل د.الفقي عضوا في مجلس الشعب مع المزورين والمفسدين خمس سنوات، ولم يستطع رئيس نادي القضاة الزند ولا غيره أن يضع يده على الزند ليطلق كلمة واحدة في وجه الرئيس المخلوع ولا رئيس مجلس الشعب المسجون الآن د.فتحي سرور، لكنه الآن يتطاول على الشعب الذي انتخب فخامة الرئيس د.محمد مرسي، ويرغي ويزبد ويثور ويفور ويعلن أن محمد مرسي ولم يذكر كلمة الرئيس في خطابه وتطاول فقال: إن الرئيس قد ضُلِّل، وأنه يحذره وينذره ويمهله 36 ساعة، وكأني به مثل قول الشاعر: أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر فأين كنت أيها الزند وأمثالك من المطبلين عندما زُوِّرت الانتخابات بالجملة طوال فترة مبارك؟! وكنت وأمثالك تشرفون وتبصمون على هذا التزوير الذي قال فيه أحمد عز قبل الانتخابات: لن ينجح واحد من الإخوان المسلمين، فقيل له: قل إن شاء الله، فقال: أنا الذي أكتب القدر في مصر، فلماذا أقول إن شاء الله! فكان هذا الطبال هو الذي يدير الحملة الانتخابية للحزب الوطني الغاشم الغادر، وكنتم معشر القضاة من أمثال الزند فقط أدوات هذا التزوير، ولم تخرجوا من عش الدبابير إلا للتزوير، واليوم تخرجون من عش الدبابير للتشهير، وأين كنتم أيها الثائرون الصارخون في القنوات الفضائية والجرائد والمجلات عندما تأخر الحكم بعدم دستورية المجلس أكثر من ثلاث سنوات في الثمانينات والتسعينات؟! وفي الوقت ذاته قام السادة القضاة في المحكمة الدستورية بسلق الحكم في أربعين يوما، ولطموا الشعب في يوم واحد لطمتين: الأولى حل مجلسه الذي قال الدكتور المستشار عبدالمعز إبراهيم: إنها أول انتخابات نزيهة شارك فيها الشعب بقرابة 60% وهو ما لم يحدث في تاريخ مصر كله، واللطمة الثانية: الحكم بإبطال قانون العزل السياسي أملاً في استعادة النظام البائد كله بأسمائه وشخوصه ومناهجه على يد أحمد شفيق، ووقفت الملايين في الميادين تهتف بسقوط حكم العسكر والأحكام المسلوقة ضد الشعب، لكن المجلس العسكري في خرق واضح لسيادة الشعب وامتصاص غضبته قام بحل المجلس كله دون استفتاء أو عدم الاكتفاء على ما يسمى الثلث، والحقيقة أنه أقل من الخمس الذين ترشحوا على القوائم الفردية، وهم أعضاء في حزب من الأحزاب، والقاعدة الشرعية والقانونية أنه لا يجوز أن يعود الصحيح على الفاسد بالإبطال، فلو فسدت عضوية أحد لا تبطل العضوية الصحيحة من الناحية القانونية والشرعية، ولو فسد عقد نكاح لإحدى البنات لسبب شرعي لا يمكن أن يفسد عقد زواج أخواتها جميعا، وعلى كل فإن فخامة الرئيس من حسن تدبيره وقوة شخصيته أنه انحاز إلى الشعب الذي طالبه قبل أن يقسم اليمين أمامهم كرئيس ثوري جاءت به الثورة ودماء الشهداء والجرحى، ولم يأت به العسكر ولا المحكمة الدستورية ولا نادي القضاة، وبالتالي فقد كانت المطالب أمامه هتافا وخلفه كتابة، فأقسم اليمين، ودرس القوانين، واستشار المخلصين، والخبراء الحقيقيين لا الملونين، فخرج بهذا القرار الحكيم بإبطال قرار المجلس العسكري، وليس حكم المحكمة الدستورية، وسيرى القوم مجلسا للشعب رائدا في التزام أحكام القضاء رغم ما شابه من سرعة وتسييس، لكنه سيتعامل معها في حدودها الصحيحة، وليس مثل المجلس العسكري في الاستحواذ على السلطتين التشريعية والتنفيذية في تجبر على الشعب والسلطات الأخرى، مما يعد امتدادا للنظام البائد. نصيحتي لفخامة الرئيس قوله تعالى: (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) (الروم: من الآية60)، وقوله تعالى: (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا) (الأحزاب:48)، وكن مثل عمر بن عبدالعزيز الذي أرسل له والي خراسان الجراح بن عبدالله قائلا: يا أمير المؤمنين إن أهل خراسان قد فسدت طويتهم فلا يصلح لهم إلا السيف والسوط فأذن لي فيهم، فأرسل إليه قائلا: من أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز إلى الجراح بن عبدالله والي خراسان، أمَّا ما ذكرت من فساد أهل خراسان ولا يصلح لهم إلا السيف والسوط فقد كذبت، وإنما لا يصلح للناس إلا العدل والحق. فامض فخامة الرئيس إلى العدل والحق، والرحمة والحكمة، والاستشارة والاستخارة وحسن التدبير في اتخاذ القرارات، ولا تصغ إلى أصحاب عش الدبابير الذين غرقوا قديما في التزوير، وخرجوا اليوم للتشهير دون وازع من أدب أو ضمير.