11 سبتمبر 2025

تسجيل

خفايا أجندة أبوظبي والرياض والقاهرة في الخرطوم (1-2)

12 يونيو 2019

الأطماع والتدخلات الخارجية تدفعان السودان إلى مصير سوريا وليبيا واليمن الخطر يحدق بالسودان.. والعسكر والتغيير أقرعان يتصارعان على مشط دوافع الأطماع الخارجية على أرض النيل والذهب واليورانيوم من هم الجنجويد بتعريف السياسة والجغرافيا وتاريخ القبائل؟ ❶ يواجه الشعب السوداني بأكمله مؤشرات ازمة سياسية طاحنة تهدد بوقوع مخاطر جوهرية قد تنتهي بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر بتكرار الكوارث التي حدثت في سوريا وليبيا واليمن. ولقراءة أعماق الازمة ومسبباتها والعناصر الفاعلة والمؤثرة فيها نجد أنفسنا بحاجة الى استصحاب مجموعة من الأحداث التاريخية والدوافع الاثنية والسياسية للأطراف الفاعلة في الشأن السوداني. وبالتالي يمكن توصيف المشكلة السودانية بأنها نتاج لأسباب داخلية وخارجية واقتصادية وسياسية واجتماعية تبلورت في شكل أزمات متفاوتة من وقت الى اخر وعبرت عن نفسها من خلال الحلقة الجهنمية لتداول السلطة بين العسكر والمدنيين بين الأحزاب التقليدية والقوى الحديثة، والتي انتهت باستيلاء الجبهة الإسلامية على السلطة بانقلاب البشير- الترابي عام 1989 والذي انتهى بدوره بثورة شعبية كاملة الدسم لكنها لم تحقق أهدافها في التغيير بسبب التدخلات الخارجية الواضحة في الشأن السوداني. وسوف أستعرض في هذه الحلقات تفاصيل الازمة السودانية ومسبباتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأتناول بالتفصيل الأطماع الخارجية في ثروات السودان وأسرار تدخل السعودية والامارات ومصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان. ويقودني ذلك الى دراسة الدوافع والأطماع الداخلية للقوى السياسية والعسكرية الماثلة في الساحة السودانية وفي مقدمتها مليشيا محمد حمدان دقلو قائد الجنجويد لنتعرف على هذه القوات ولأي الدول تتبع وبمن تأتمر وما هي أهدافها الحالية والمستقبلية. ويقودنا ذلك الى الحديث عن أطماع المكونات العرقية الأخرى ويشمل ذلك الفصائل التي تعبر عن مكوناتها الجهوية صراحة او تلك التي تختبئ وراء لافتات سياسية لبعض الأحزاب بجانب الفئات الضعيفة التي تتحرك تحت غطاء أحزاب ومكونات سياسية من القوى التقليدية او الحديثة. *أولا.. أبعاد الأزمة السياسية تعود جذور الأزمة السياسية الى ما قبل الاستقلال وبعد اندحار المستعمر في ديسمبر 1955، ورث الحكام الوطنيون الجدد الهياكل الإدارية والسياسية والسياسات التعليمية للمستعمر حتى ولاءات الأحزاب الاستقلالية كانت منقسمة بين قوى الاستعمار القديم، لذلك لم يمض وقت طويل على اعلان الاستقلال حتى انفجرت الملفات الساخنة مثل قضية الجنوب وسياسة حكم المديريات والمحافظات في الأقاليم، وهي ذات المشكلات التي عانى منها المستعمر وغادر البلاد دون ان يتمكن من وضع الحلول المناسبة لها. انشغلت القوى الوطنية والحزبية بصراعاتها الداخلية أمام أطماع دولية ظلت تتربص بالسودان ولا زالت جذور تلك الصراعات باقية الى اليوم وظلت تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة على الدوام. وباستعراض سريع لجذور أزمات الحكم والإدارة في السودان منذ ذلك التاريخ الباكر نكتشف أن تلك المشاكل بقيت بلا حلول الى اليوم. لقد عانى الاتراك من شكل الحكم الإداري وتقلبوا بين الحكم المركزي والحكم اللامركزي عشرات المرات وما زالت أزمة هيكلة الحكم مستمرة بين المركزي والولائي والإقليمي وانعكس ذلك سلبا على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الريف بشكل كامل. الازمة الأخرى تمثلت في عدم العدالة في اقتسام السلطة والثروة، حيث ورثت الحكومات الوطنية علاقات انتاج ركزت الثروة في ايدي قلة من ذوي الياقات البيضاء وصغار وكبار الموظفين وقيادات الإدارة الاهلية بينما كان التهميش هو نصيب الأغلبية الغالبة من المجتمع. ومع اندحار تيار اليسار مطلع مايو عادت قوى الإنتاج القديمة لتسيطر على المشهد الاقتصادي وأدت سياسات الدعم الى تخصيص عائدات الصادر والتنمية لمصلحة سكان المدن وكان على اهل الريف العمل والإنتاج دون الاستفادة من الخدمات والتعليم والصحة فازدادوا فقرا على فقر. وتتلخص سياسات العهد المايوي في إدارة الدولة على نهج التسلط العسكري في بلد بحاجة الى الامن مرحليا فقط لتهيئة المناخ للإنتاج. ومن مدخل الامن سيطر العسكر على السلطة وحرموا الكفاءات العلمية والمهنية وأصحاب الخبرات من المساهمة في التنمية فكان مصيرهم الهجرة والسجون والقتل، مما أفقد البلاد خيرة أبنائها وزاد من عمق الازمة المتوارثة على مر السنين. في عام 1972 كان الوضع الاقتصادي في مفترق الطرق، حيث كان اجمالي الكتلة النقدية في البنك المركزي 872 مليون جنيه سوداني وكان الجنيه السوداني يساوي جنيها استرلينيا وثلاثة دولارات امريكية مع ميل واضح للميزان التجاري نحو الفائض ومع ذلك كانت الازمات المتوارثة باقية لكن أثرها كان محدودا فقد ظلت ربوع دارفور وكردفان تنتج كميات مهولة من الثروة الحيوانية والمنتجات الزراعية بالإضافة الى واردات القطن من مشروع الجزيرة مما شكل تأمينا للخزانة العامة للدولة. لم يفلح نظام النميري في استيعاب المعارضة السياسية مما أدى الى استعار الحرب في الجنوب بعد فشل اتفاقية اديس ابابا التي ابرمت عام 1973 لكن الضربة القاصمة جاءت بسبب الجفاف والتصحر وهو ما أدى الى هجرة سكان الريف الى المدن وبالتالي توقف الإنتاج بالكامل وتحول الملايين من القوى المنتجة الى مستهلكين في المدن واحترفوا الاعمال الخدمية بدلا من الأنشطة الإنتاجية، وهو ما أدى الى تراجع سريع ومرعب في سعر الجنيه مما دفع بالضابط البحري صلاح كرار الذي وصفته الاندبندنت الإنجليزية بجندي البحرية الذي يريد ان ينقذ الاقتصاد السوداني من الغرق، الى ان يقول لو لم تجئ الإنقاذ لوصل سعر الدولار 12 جنيها (سعر الدولار وصل اليوم 70 الفا من الجنيهات). بوصول الإنقاذ الى السلطة سعت في بدايتها نظريا الى حل مشاكل الإدارة والحكم عبر مؤتمر الحوار السياسي وطرحت المشكلة الاقتصادية عبر مؤتمر الإنقاذ الاقتصادي وهو ما ترجم في البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي وأبرز ملامحه سياسة التحرير الاقتصادي. وكانت الأفكار التي طرحتها الإنقاذ هي السفينة التي ابحرت من خلالها جحافل الفاسدين وتسببت في انهيار النظام نفسه في نهاية المطاف. ورثت الإنقاذ نظاما سياسيا مثقلا بالتحديات الإدارية والسياسية في نظام الحكم والعدالة وتوزيع الثروة وعلاقات الإنتاج لكنها اهتمت فقط بمظاهر الازمة دون التعمق في جذورها فاهتمت باشراك السياسيين الغاضبين على احزابهم والمارقين على فصائلهم المسلحة، ولطالما تغنت بالتخلص من طوابير الخبز والبترول، وسارت على نهج الحكومات السابقة في اهمال البحث العلمي واعمال الفكر التنظيمي وقراءة الواقع السياسي والاجتماعي والتنبؤ بالمستقبل ووضع الحلول الضرورية للمشكلات قبل وقوعها. وأدى الغياب المفاجئ لعراب التنظيم الدكتور الراحل حسن الترابي الى توقف آلة التفكير في الدولة ودارت ماكينات العمل اليومي بلا بصيرة، مما أدى الى الكوارث اللاحقة التي انتهت بنهاية النظام نفسه. كل الأنظمة السياسية بحاجة الى رجل الدولة المنفذ ورجل التنظيم والفكر وهو الفيلسوف المفكر، لكن الإنقاذ ابحرت بلا فكر ولا فلسفة ولا دراسة تستشرف الغد المأمول وليس أدل على ذلك من مراكز الدراسات التي فوجئت بسقوط الإنقاذ وهرع منسوبوها ينقلون المستندات خفية عقب السقوط المدوي للرئيس البشير. وأجد نفسي بحاجة الى تلخيص الأسباب التي أدت الى سقوط الإنقاذ لأنها هي الأسباب التي ستسقط غيرها من الحكومات اللاحقة ان سارت على ذات الطريق. 1- سقطت الإنقاذ لأنها استأثرت بالثروة والسلطة وطبقت سياسة التمكين على حساب الولاء الزائف مما اوجد جيشا من المنافقين واللصوص تمكن في نهاية المطاف من السيطرة على مفاصل الحزب الحاكم نفسه وأبعد عددا مقدرا من منسوبيه الاصليين الذين صنعوا الحكم نفسه. 2- سقطت الإنقاذ لأنها سمحت لمؤسسات الدولة مثل الجيش والأجهزة الأمنية مشاركة القطاعات الإنتاجية في عملها مما أدى الى افقار الشعب بكامله. 3- عمدت الى الدخول في تحالفات مع قوى سياسية غير اصيلة وجلهم من المنتفعين واعتمدت على خداع هؤلاء مما دفع بقية القوى السياسية الى العمل المستمر لإسقاط النظام. 4- سقطت الإنقاذ لأنها طبقت سياسة التحرير الاقتصادي بإطلاق العنان لقوى السوق دون النظر الى الشرائح الضعيفة في المجتمع. 5- فتحت الباب على مصراعيه للاستثمار في الدواء والخدمات الطبية والتعليمية مما أدى الى خلق قوى طفيلية وقسم المجتمع الى طبقتين غنية وأخرى فقيرة مدقعة. 6- حولت قطاعا واسعا من موظفي الخدمة المدنية الى سماسرة سياسة يقتاتون من الموازنة العامة نظير الولاء الكذوب وبلا انتاج. 7- فتحت باب المحاصصات والمجاملات في العمل السياسي وفتحت العشرات من البعثات الدبلوماسية التي أنهكت الخزانة العامة. 8- وقفت الدولة عاجزة امام فساد المقربين من الرئيس ولم تضع حدا لهذا الفساد مما أفقد الدولة مصداقيتها ومشروعيتها الأخلاقية كحكومة منقذة.