12 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا فشل حصار قطر في تحقيق أهدافه (1-2)

12 يونيو 2018

قطر اتبعت سياسات اقتصادية مبكرة أفشلت أدوات الحصار الموارد الطبيعية الضخمة والخطط السليمة وراء الصمود القطري قطر لديها الملاءة المالية الكافية لدعم الاستقرار والاستدامة في القطاع المالي نتناول في هذا الجزء من ورقة "لماذا فشل حصار قطر" قناتين من قنوات تأثير الحصار على الاقتصاد القطري وهي القطاع الحقيقي وعامل الثقة مع إيضاح مصادر القوة والانكشاف والسياسات المضادة للحصار التي اتبعتها قطر في الأجل القصير في كل منها. I. لماذا فشل حصار قطر في تحقيق أهدافه  يمكن القول إن الحصار فشل في تحقيق أهدافه، بل وأدى إلى نتائج عكسية لعدة عوامل: (1) محدودية انكشاف الاقتصاد القطري على دول الحصار، وخصائصه. و(2) السياسات الاقتصادية الكلية السليمة التي اتبعتها قطر: أ) مبكراً قبل الحصار خلال العقدين الماضيين لاستغلال الموارد الطبيعية الضخمة، و(ب) السياسات السليمة المضادة للحصار بعد فرضه. 1. ضعف التركيبة البنيوية لاقتصادات دول المجلس إن محدودية انكشاف الاقتصاد القطري على دول الحصار تعود لأسباب تتعلق بضعف التركيبة البنيوية لاقتصادات دول المجلس. فاقتصادات دول المجلس ضعيفة هيكليا وغير متنوعة، ودول الحصار هذه ليست مصنعة، واقتصاداتها ليست متنوعة، ولا منتجة زراعياً. فهي لا تصدر لقطر الآلات ولا المعدات ولا السيارات ولا الأجهزة الطبية ولا الإلكترونية، ولا سلعا أساسية كالقمح والذرة والشعير، ولا لحوما ولا نخيلا،1 حتى تصبح أسواقها خاوية مع فرض الحصار، فأما الرضوخ لشروطها أو تسعى قطر للاستيراد من أسواق خارجية بديلة وبتكاليف قد تكون مرتفعة بما فيه الكفاية، وهذا ربما يدفعها للرضوخ عاجلاً أم آجلاً لشروط هذه الدول. ولا هي لديها الحق ولا القدرة على إغلاق المياه الدولية وفرض حصار خانق على قطر من كل الجهات الجوية والبحرية، وبالتالي التحكم في الاستيراد والتصدير، كما تصنع إسرائيل والنظام المصري مع قطاع غزة لأكثر من عقد من الزمن حتى الآن. فقطر لديها اقتصاد قوي وثري ولديها موانئ ومطارات مفتوحتان على المياه والاجواء الدولية، تمكنها من تصدير مواردها الهيدروكربونية واستيراد ما تحتاجه من سلع استهلاكية ورأسمالية من العالم الخارجي. فبعد أكثر من نصف قرن من تصدير النفط، فشلت دول المجلس في تنويع اقتصاداتها. فهي تستخرج موردا واحدا (النفط) وتصدره للعالم الخارجي وتستورد في المقابل معظم ما تحتاجه من سلع استهلاكية ورأس مالية وعمالة من الخارج. ولذلك لا يوجد لديها الكثير مما يمكن أن تتبادله فيما بينها، وظلت التجارة البينية في دول مجلس التعاون تراوح مكانها عند 10% للعقود حتى الآن. لذلك لا يوجد هنا مجال كبير للضغط على قطر من خلال الحصار التجاري. وبالتالي أيضاً يبقى أثر الحصار محدوداً على الطرفين بسبب محدودية التبادل التجاري والتعامل المالي، لأن هذه الاقتصادات غير منتجة ولا يوجد فيها دورة إنتاج حقيقية داخلية. فهي اقتصادات ريعية تستمد دخلها من مصدر خارجي من خلال استخراج النفط وبيعه في الخارج. فطالما أن تصدير النفط وأسعاره لم يتأثرا بهذه الأزمة، فإن الأثر على أداء الاقتصادات يبقى محدوداً، مع تحييد العوامل الأخرى. 2. عوامل قوة الاقتصاد القطري في مواجهة الحصار وخصائصه إن قوة الاقتصاد القطري وخصائصه وبعض الميزات النسبية التي يتمتع بها تمكنه من الصمود في وجه الحصار وتحييد أثره على المدى المتوسط إلى الطويل، مع تحييد العوامل الأخرى. فبداية قطر لديها موانئ ومطارات مفتوحة على المياه والأجواء الدولية، وهذا يمكنها من تجاوز الحصار ودوله، وتعويض النقص في الاستيراد من وعبر دول الحصار من مصادر بديلة بمرونة. وبفضل السياسات الاقتصادية السليمة التي اتبعتها في فترات الرواج، استطاعت قطر استغلال الموارد الطبيعية الضخمة لتوليد دخل مستقر للبلاد إلى حد مقبول، وتطوير بنية تحتية حديثة، وتركيم واستثمار عوائد هذه الموارد لتشكل واقياً يستخدم لمواجهة الركود والأزمات، ولتنويع مصادر الدخل وحفظ مدخرات الأجيال. ففي فترة وجيزة نسبياً أصبحت قطر المنتج والمصدر الأول للغاز الطبيعي المسال في العالم من ثالث أكبر احتياطي للغاز عالمياً، وأصبح للاقتصاد القطري دخل مستقر إلى حد مقبول من إنتاج الغاز عبر الفترات والأزمات المالية والاقتصادية السابقة وكذلك هذه الأزمة، وأصبح الاقتصاد القطري أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة وربما حول العالم (بمعدل 12% نمو حقيقي سنوي خلال عشر سنوات حتى عام 2015)، وأصبحت قطر صاحبة أعلى دخل، واحتياطات سيادية، وغاز طبيعي للفرد في العالم، ولديها الملاءة المالية الكافية لدعم الاستقرار والاستدامة في القطاع المالي وقطاع الاستيراد في التجارة الخارجية لفترات طويلة، وبنية اقتصادها الإنتاجية تمكنها من الاستمرار في ذلك والتكيف مع الأوضاع التي يفرزها الحصار لفترات طويلة (مع تحييد العوامل الأخرى)، ولديها بنية تحتية حديثة (من مطار وموانئ ذات طاقات استيعابية عالية وشبكة مواصلات واتصالات حديثة، ومدن إمداد لوجستية واقتصادية، وغيرها) تمكنها من الالتفاف حول الحصار والوصول إلى مصادر الاستيراد الأصلية. وحققت مستويات مقبولة من التنويع (الرأسي) في مجال الصناعات المصاحبة للقطاع الهيدروكربوني، وقطاعها المالي قوي تدعمه أسس الاقتصاد القطري المتينة والنمو الاقتصادي القوي خلال الفترات السابقة، وهو محصن بفضل السياسات الائتمانية والاحترازية المعاكسة للدورة المالية التي تبناها المصرف المركزي مع بداية الدورة النفطية في عام 2003–2004، فشكلت درعاً واقياً ضد الصدمات وحدت من الانكشاف والتوسع المفرط في الاقتراض محلياً وخارجياً مع التوسع الاقتصادي وارتفاع الفوائض، وحدت من تراكم الاختلالات والهشاشة المالية فيه (IMF, 2014). والعملة قوية، تدعمها أسس الاقتصاد القطري القوية والاحتياطية النقدية والسيادية الضخمة، ولا يوجد مجال للمضاربة عليها خارجياً لمحدودية عرضها، ومحدودية تداول السندات السيادية. وفيما يلي نتناول القنوات التي يؤثر من خلالها الحصار على الاقتصاد القطري، وهي القطاع الحقيقي، والقطاع المالي، وعامل الثقة، مع شرح مصادر القوة والانكشاف في كل منها والسياسات المضادة للحصار التي اتبعتها قطر في الأجل القصير. القطاع الحقيقي • مصادر القوة: الموارد الطبيعية الضخمة والسياسات الاقتصادية السليمة أ‌. سياسات الإنتاج الهيكلية: بفضلها أصبحت قطر المنتج والمصدر الأول من ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم. ب‌. سياسات تطوير بنى تحتية حديثة: شبكة اتصالات ومواصلات حديثة ومطار وميناء ذوات طاقات استيعابية عالية ومدن لوجستية واقتصادية وصناعية وغيرها تمكن من تخطي دول الحصار، ومن توفير مخزون استراتيجي لأغراض الأمن الغذائي والإمداد اللوجستي بالمواد الأولية والأساسية. ت‌. سياسات التنويع الرأسي: تنمية قطاع صناعات مصاحبة كالبتروكيماويات والأسمدة بالإضافة إلى صناعة الحديد والصلب وغيرها لتنويع مصادر الدخل. ث‌. السياسات الاستثمارية: تركيم واستثمار عوائد القطاع الهيدروكربوني وتوزيعها جغرافياً وجيوسياسياً ومادياً عبر الأصول لتستخدم لدعم الاقتصاد في أوقات الركود والأزمات، ولتنويع مصادر الدخل ولحفظ حقوق الأجيال من خلال صندوق قطر السيادي الذي كانت تبلغ احتياطاته 340 مليار دولار قبل الأزمة، بنسبة 225% من الناتج المحلي لعام 2016، منها ما يقارب 180 مليار دولار في حالة شبه سائلة وكانت تشير التوقعات إلى أن احتياطاته تكفي ل 25 عاما مقبلة عند مستويات الأسعار والإنفاق المنظورة. "يتبع"