14 سبتمبر 2025
تسجيلتتمتع الدول التي تربط أسعار صرف عملاتها بعملة قوية كالدولار باستقرار نسبي ولكنه كبير وعلى مدى فترات طويلة من الزمن. ومن هذه الدول قطر وبقية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن. فكما لا يخفى على أحد فإن سعر صرف الريال القطري ظل مستقرًا أمام الدولار الأمريكي عند سعر صرف 3.64 ريال منذ أغسطس 1981 أي قرابة 35 سنة، في الوقت الذي انهارت فيه أسعار صرف عملات كثيرة في هذه الفترة الطويلة أمام الدولار، ومن ثم أمام الريال. وربما كان انهيار أسعار صرف تلك العملات راجع إلى اعتبارات اقتصادية كما في إندونيسيا والباكستان والهند، أو لمزيج من الاعتبارات السياسية خاصة الحروب وعدم الاستقرار إضافة للعوامل الاقتصادية. وسننظر لهذا الموضوع اليوم من زاوية تأثيره على معدلات النمو السكاني المرتفعة جدًا في قطر. الجدير بالذكر أن عدد المقيمين في قطر إقامات رسمية - من القطريين وغير القطريين - قد ارتفع حتى نهاية شهر مايو الماضي بمعدل سنوي 9%، ليصل إلى مستوى 2.587 مليون نسمة. وبالمقارنة فإن العدد في عام 1981 - أي سنة الربط بالدولار - كان في حدود 300 ألف نسمة، أي أن العدد تضاعف أكثر من 8 مرات.مما يُذكر أن سعر الريال القطري كان يعادل روبية هندية واحدة في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، ولكن سعر الروبية بدأ يتراجع منذ الحرب بين الهند والباكستان عام 1971، ومع ربط سعر صرف الريال بالدولار في عام 1981، فإن سعر الريال القطري كان يزيد على روبية ونصف، واستمر التراجع في سعر الروبية إلى أن بلغ سعرها اليوم نحو 62 روبية لكل دولار، أي ما يعادل 17 روبية لكل ريال قطري. وكان انهيار الروبية الباكستانية أسرع وتيرة حيث وصل سعرها أما الدولار إلى نحو 103 روبيات أو نحو 28 روبية باكستانية لكل ريال.أما في إندونيسيا، فإن سعر صرف عملتها أكثر تًدهورا، حيث بات الريال القطري يعادل 3663 روبية إندونيسية. وفي عالمنا العربي المضطرب بأحداث ساخنة، تسارع تدهور أسعار صرف عملات بعض الدول ومنها اليمن الذي أصبح الريال القطري الواحد يعادل 69 ريالًا يمنيًا. وفي مصر التي كان سعر الجنيه الرسمي فيها حتى منتصف السبعينيات يعادل 2.5 دولار، والسعر التشجيعي يساوي 1.4 دولار، قد تراجع سعر صرفه بالتدريج إلى أن بات الجنيه يساوي ريالا قطريا واحدا، وظل كذلك سنوات طويلة إبان حكم مبارك، ولكنه تراجع في السنوات الأخيرة حتى أصبح الريال القطري يعادل 2.3 جنيه من حيث السعر الرسمي، ويصل إلى 3.25 جنيه في السوق السوداء.وتدهور سعر صرف الليرة السورية بوتيرة أسرع منذ العام 2011 بحيث بات الريال القطري اليوم يعادل 60 ليرة سورية. وفي فترات سابقة حدثت انهيارات ما زال بعضها قائمًا ومنها انهيار الدينار العراقي، والعملة الإيرانية، وقبلها في الثمانينيات والتسعينيات الليرة اللبنانية، والتركية، والجنيه السوداني. كانت هذه رحلة سريعة مع تدهور عملات بعض الدول أمام الدولار وأمام الريال القطري...وبالنظر إلى أن سكان قطر ودول الخليج هم تركيبة من أهلها، ومن خليط من الجنسيات المختلفة التي انهارت أسعار صرف عملاتها أمام الريال، فإن ذلك يفسر أحد أسباب ارتفاع معدلات الهجرة إلى قطر والذي هو من أعلى المعدلات في العالم خلال العشر سنوات الأخيرة. فالموظف الباكستاني الذي كان يحول الألف ريال إلى 2000 روبية في أوائل الثمانينيات، بات يحولها اليوم 28 ألف روبية. صحيح أن القوة الشرائية قد تآكلت للروبية داخل باكستان جزئياُ، إلا أن ارتفاع سعر صرف الريال أمامها يشكل تعويضًا كبيرًا للعاملين عن هذا التآكل. وفي مصر نجد أن العامل الذي كان يحول 500 ريال من مدخراته في التسعينيات بمثلها من الجنيهات المصرية، أصبح اليوم يحولها بما يتراوح ما بين 1100 - 1600 جنيه مصري. ولأن العملة القطرية ثابتة ومستقرة أمام الدولار، فإن أي ارتفاعات في سعر صرف الدولار أمام عملات الدول المشار إليها لاعتبارات تتعلق بقوة الاقتصاد الأمريكي، وليس ضعف اقتصادات الدول المناظرة، أقول إن تقوي سعر صرف الدولار كما حدث في الأعوام الأخيرة يزيد من حدة انهيارات أسعار صرف تلك العملات مقابل الريال القطري، ويدفع رعاياها إلى التمسك بالبقاء في قطر، وذلك إضافة لما تتمتع به قطر من عوامل جذب أخرى كالاستقرار السياسي، ووجود فرص عمل كبيرة في هذه الفترة من الزمن.ولكن هذا التطور من جهة أخرى كان له مضاره التي في مقدمتها ارتفاع الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات، وإنفاق عشرات المليارات من الريالات سنويًا على تطوير البنية التحتية والخدمات الحكومية، ورفع تكلفة المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، وانظر في ذلك أسعار العقارات، ومعدلات الإيجارات، وتكلفة التعليم بكل مستوياته من الحضانة إلى الدراسات العليا.