14 سبتمبر 2025
تسجيلتعتمد السلع الاقتصادية في البلدان الشمولية، بسبب رداءة نوعيتها وارتفاع أسعارها، على غياب المنافسة وعلى الحماية التي توفرها لها القوانين المحلية في مواجهة السلع الأجود والأرخص من الخارج. ولكن بسقوط الأنظمة السياسية الداعمة لمثل هذا النوع من الاقتصادات وانفتاح أسواقها أمام المنافسة العالمية تنكشف منتجاتها وتتراجع إلى الظل بعد أن تفشل في منافسة منتجات الاقتصادات الحرة المعتمدة الأفضل عادة في الجودة والسعر. رموز النظام القديم الذين يحاولون تحسين صورتهم أمام المصريين هذه الأيام يقعون في نفس هذه الأزمة، فبعد أن كان قصور هؤلاء وقلة كفاءتهم محصنين بالأوضاع الشمولية للنظام القديم، إذا بهم يخوضون هذه الأيام وللمرة الأولى في حياتهم التجربة التعددية التنافسية ويحاولون من خلال قدراتهم المحدودة ومواهبهم الضحلة ليس فقط الحصول على ثقة المصريين بل وإقناعهم بنسيان تاريخهم وأدوارهم في إفساد الحياة المصرية من كافة نواحيها. ولكن كما تنكشف منتجات الأنظمة الاحتكارية عند انفتاح الأسواق، ينكشف ممثلو الأنظمة الشمولية ويظهر مدى تهافت قدرتهم على الإقناع حينما يجابهون التعددية التنافسية لأول مرة، ولتعويض هذا القصور، وبدلاً من بذل الجهد في محاولة إقناع الآخرين بأهمية ما يقدمونه، يلجأ ممثلو هذه الأنظمة إلى شيطنة المنافسين والتحذير منهم بوصفهم خطرا داهما على الأمن والاستقرار. وهذا بالضبط ما فعله مرشح النظام القديم في الانتخابات الرئاسية المصرية، الفريق أحمد شفيق، مع خصومه من جماعة الإخوان المسلمين على مدار الشهر الفائت، فقد تابع المصريون خلال الأيام الماضية الهجوم الشرس الذي شنه الفريق على مرشح الإخوان، والذي حاول من خلاله الأول أن يعوض عجزه عن المنافسة وقصوره في إقناع الناخبين بكيل الاتهامات إلى خصمه وإلى الجماعة التي يمثلها. ما أدى إلى تحول السباق السياسي إلى سجال من التخوين والقذف يهدف إلى تخوين فصيل سياسي شارك في الثورة ويدمغه بأنه المسؤول عن قتل المتظاهرين، وفتح السجون وإخراج من فيها من المجرمين، فضلاً عن تحطيم أقسام الشرطة وسرقة ما بها من أسلحة، إلى آخر قائمة طويلة من الاتهامات التي توحي بالإفلاس السياسي أكثر مما تعبر عن حنكة تنافسية. هذا الخطاب الهجومي والتخويني لمرشح النظام القديم يعبر عن أزمة الأنظمة الشمولية وممثليها وعدم قدرتهم على خوض الأجواء التنافسية بسهولة. الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية حال نجاح هذا المرشح في الوصول إلى القصر الرئاسي من جديد، فالطريقة التي يصوغ بها مرشح النظام القديم خطابه توحي بأنه سوف يقضي على أي أثر للتعددية حال فوزه، كما توحي أنه سوف يتفرغ لملاحقة من نافسوه في المعركة الانتخابية لمعاقبتهم على ما كاله لهم من اتهامات ترقى إلى درجة الخيانة العظمى رغم افتقارها إلى الدليل الملموس. ولكن هذا الخطاب غير المهني وغير المستوعب لمعاني المنافسة ليس صناعة هذا المرشح بمفرده، وإنما هو منبثق عن التنظيم الذي يدعمه والذي كان في حقيقة الأمر السبب الأول في قيام المصريين بثورتهم، والمقصود بطبيعة الحال الحزب الوطني "الديمقراطي". فهذا التنظيم لم يختف بعد على نحو كامل وإنما هو في مرحلة كمون لا تخفى حقيقة حضوره في كافة تفاصيل الحملة القوية لمرشحه سواء على مستوى التمويل أو التنظيم أو الدعاية. هذا الحزب مازال يمتلك شفرة التأثير الحقيقة في مصر ومازال يتحكم في العديد من مؤسسات الدولة المهمة، وهو اليوم يقاتل من أجل دعم مرشحه بكافة الأساليب. ولكنه إذ يفعل ذلك لا يستطيع أن يخوض غمار السياسة التنافسية إلا من خلال منطق التخوين والاتهام للآخرين، وذلك بحكم أنه مبرمج على احتكار الساحة السياسية فيما هو عاجز أن يدخل في إطار تعددية تنافسية ينتصر فيها الأصلح والأجدر والأكثر تمتعا بثقة الناخبين. الخطاب غير الاحترافي لمرشح النظام القديم والأداء غير المهني لداعميه من المنتمين تنظيميا إلى الحزب الوطني القديم يبين أن ممارسات هذا المرشح المدعوم من التنظيم الشمولي حال فوزه بالانتخابات لن تكون سوى نسخة مزيفة مما يدعيه من ديمقراطية وقبول بالتعددية. فالأوضاع القديمة سوف تكتسي بغلالة من البلاغيات الرديئة ولا شيء أكثر من ذلك. والمناخ السياسي الذي غلب عليه الجمود فيما مضى سوف يصبح جمودا مشوبا بقدر من التعددية الصورية على أفضل تقدير. وأيا ما كان شكل الخطاب أو طبيعة الأفعال فإن الأمر المؤكد أن التنظيم القديم الذي ظهرت قدرته المبدئية على إيصال مرشحه إلى المرتبة الثانية في الجولة الأولى من خلال شبكة ضخمة من الخبراء ومقدرة هائلة على التمويل والإنفاق، هذا الحزب لن يدع الفرصة تفلت من يده مرة أخرى وسيحاول أن يستفيد من الأخطاء التي أدت من وجهة نظره إلى نجاح الثورة الأولى بحيث يصبح قيام المصريين بثورة ثانية في حكم المستحيل. ولهذا فإن هذا التنظيم سوف يعمل بقوة لكي يسترجع ما أضاعته الثورة من مكاسبه ويسترد ما فقده من هيبته ويستأنف ما شاركته فيه الجماهير من نفوذ. فهل سيسمح المصريون بأن تسلب منهم ثورتهم على هذا النحو، وهل سيستجيبون لخطاب التخوين الذي يقدمه مرشح النظام القديم والذي يجعل من الجميع شياطين بخلافه هو والحزب الذي يدعمه؟ سؤال ستحدد إجابته نتيجة انتخابات الإعادة التي يفصلنا عنها أيام قليلة.