19 سبتمبر 2025
تسجيلمرت أمس الأول الذكرى العاشرة لدخول حركة العدل والمساواة الدارفورية العاصمة السودانية المثلثة من الناحية الغربية قبل أن تصدها القوات السودانية بعد ساعات عصيبة. الذراع الطويلة هو اسم العملية المدعومة من ليبيا تمويلا وتسليحا ومن تشاد لوجستيا. لكن ليس هذا بيت القصيد فقد أصبح ذلك الحدث شيئا من التاريخ ومرت مياه كثيرة تحت الجسر؛ بل المدهش صدور بيان ممهور باسم أحد قادة الحركة بمناسبة هذه الذكرى والمسؤول عن مكتب الحركة في إسرائيل، نعم وأيم الله هكذا حُدّد مصدر البيان. كل مكاتب الحركة في الخارج أصدرت بيانات مماثلة محتفية بتلك العملية، لكن الذي استوقفني بيان مكتب إسرائيل. ولم تستوقفني حيثيات البيان فتلك قضية جدلية مغموسة في تعقيدات أزمة دارفور. لاحقا وبعد عامين من الذراع الطويلة تحديدا في يونيو 2010 صُعق أهل السودان بأنباء زيارة سرية قام بها قائد الحركة الراحل خليل إبراهيم بجواز سفر دبلوماسي تابع لدولة أخرى إلى إسرائيل باسم مستعار بصفة مستشار رئاسي في تلك الدولة.. الدعم الكبير الذي حصل عليه خليل من إسرائيل فسّر حينها التعنّت الذي أبداه وفد حركته في مفاوضات الدوحة مما أدى إلى تعليق المفاوضات في ذلك الوقت ولم تنجح كل محاولات ضم هذه الحركة إلى اتفاقية الدوحة التي وقعت في 14 يوليو 2011 مع الحركات الأخرى.. كذلك أغرى الدعم الاسرائيلي الحركة بأن تتعامل باستعلاء كبير مع الحركات الدارفورية الأخرى وتعتبرها حركات بلا وزن وهي فقط الوحيدة التي يحق لها التفاوض باسم دارفور. عندما استنكر المستنكرون الحملة على زعيم الحركة خليل ابراهيم في ذلك الوقت بسبب اتهامه بزيارة اسرائيل سرا، كانوا يظنون أن في الأمر مكيدة حكومية ومحاولة من الخرطوم لتشويه صورته. لكن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قطعت قول كل خطيب وأماطت اللثام عن تقرير لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة لمجلس الأمن، وأكد التقرير استخدام حركة خليل لأسلحة إسرائيلية، مشيرا إلى أن الحركة استخدمت في معاركها ضد الحكومة السودانية ذخيرة مكتوبا عليها "صنع في اسرائيل" في مواجهات العام الماضي في دارفور. وحتى أمس الأول قبيل صدور بيان مكتب الحركة في إسرائيل كان الناس يظنون أن علاقة الحركة باسرائيل ارتبطت بتلك الفترة ولم تعد متصلة. لقد أكدت عملية الذراع الطويلة وجود قصور في عمل الدفاعات السودانية حينها وضعف المعلومات الاستخباراتية وتحليلها، الأمر الذي أدى إلى التأخير في التعامل مع قوات الحركة المهاجمة. في ذات الوقت كشفت عن حجم الدعم الأجنبي الذي كانت تحظى به الحركة بيد أن قائد الحركة وقع ضحية التغرير به من قبل ليبيا وتشاد اللتين لم تكونا على علاقة طبيعية مع الخرطوم. فبعد تلقي الحركة الدعم التشادي الليبي الضخم عقد خليل ابراهيم اجتماعا بقادة حركته معلنا أن حركة العدل والمساواة اصبحت قوة عسكرية ضاربة وقد آن الآوان لغزو الخرطوم نفسها. ومن ثمّ تحركت قوات الحركة نحو الخرطوم باربعة متحركات يضم كل متحرك ما بين 60 إلى 50 سيارة لاند كروزر دفع رباعي قاطعة آلاف الأميال. وعندما وصلت معلومة للحركة ان لواء من الجيش ينتظرهم خارج مدينة امدرمان، غيرت قوات الحركة مسارها والتفت على قوات الجيش السوداني من الجهتين الشمالية والجنوبية بينما كان الجيش السوداني ينتظرهم في الجهة الغربية. واستطاع المهاجمون ان يدخلوا عمق امدرمان وقد بدت عليهم علامات الإجهاد والارهاق ولم يكونوا على علم تام بالطرق المؤدية إلى الأماكن الاستراتيجية. فكان من السهل على القوات الحكومية أن تعيد تنظيم صفوفها وتتصدى لقوات الحركة التائهة وتقضي على العملية في ساعات قليلة. لم تكن تلك العملية الاولى التى تتعرض فيها العاصمة السودانية لهجوم من الخارج ففي سبعينيات القرن الماضي في العام 1976 تعرضت العاصمة لهجوم سمي بهجوم المرتزقة وكان مدعوما أيضا من قبل ليبيا وكان الهدف منه الاستيلاء على الحكم والقضاء على حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري.