16 سبتمبر 2025

تسجيل

الطبقة الوسطى في مصر .. والتحرر من قيد الدولة

12 مايو 2013

يظل مستقبل الطبقة الوسطى مرهوناً بمدى نجاحها في عدة أمور: • مدى نجاحها في "التمأسس" عبر إنشاء كيانات اجتماعية تحمل مطالبها وتدافع عن مصالحها، مثل إنشاء جمعيات أهلية تدافع عن مصالح العمال، والمزارعين، وصغار ومتوسطي الموظفين، وصغار المستثمرين، وخريجي الجامعات من المُتبطِّلين. فضلاً عن إعادة تفعيل دور النقابات المهنية، بما يضمن استقلالها عن الدولة، وعن التجاذبات والصراعات السياسية، عبر دفاعها عن مصالح أعضائها، ووقوفها كظهير اجتماعي لهم في مواجهة الدولة، إلى جانب خروجها من هيمنة تيار سياسي بعينه، قد يستخدمها كأداة في الصراع السياسي كلما دعته الحاجة إلى ذلك. * مدى قدرتها على إنشاء كيانات سياسية ترفع مبادئها، وتعمل على ترجمة رؤاها الوسطية المعتدلة، فمن أهم سمات الطبقة الوسطى نزوعها إلى الوسطية والاعتدال، وهي القادرة على وضع حدٍ لحالة الاستقطاب السياسي والتجاذب الأيديولوجي التي ضربت الساحة السياسية بمصر، فإن كانت الطبقة الوسطى قد شاركت في الانتخابات تصويتاً، إلا أن نسبة الإقبال على عضوية الأحزاب مازالت محدودة، وذلك لعدة أسباب تفصيلها يحتاج إلى مقال مستقل، أهمها عدم طروء تحسن كبير في أحوال الطبقة الوسطى بعد الثورة، فأغلب أبنائها مستغرق في نضاله المعيشي، الذي يشغله عن نشاطه السياسي، فالعلاقة بين نمو الطبقة الوسطى بتحسن أحوالها المعيشية والمشاركة السياسية علاقة طردية. تجدر الإشارة إلى أن مشاركة ونفوذ القوى الاجتماعية في بنية النظام السياسي، يترتب عليها صياغة النظام الاقتصادي والاجتماعي للدولة، إذ إن القوانين – وهي المُنتَج النهائي للسلطة التشريعية - بحسب بعض تعريفاتها هي الصياغة اللفظية لحقائق القوى الاجتماعية والسياسية في الدولة والمجتمع. كما تُعد مدى مشاركة الطبقة الوسطى في الحياة السياسية، أحد المعايير الأساسية، لمدى نجاح التحول الديمقراطي، وقيام ديمقراطية حقيقية، كونها صاحبة الكلمة العليا في ترسيخ احترام الحقوق والحريات في المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية. • مدى نجاحها في الضغط من أجل تفكيك المنظومة الاقتصادية الاحتكارية "النيوليبرالية" التي بناها النظام الساقط وهي منظومة مازالت قائمة بكامل أركانها، لم يمسسها سوء، بسبب عدم تطبيق إجراءات من شأنها إعادة توزيع الثروة المُحتَكرة من قِبل القلة على حساب الكثرة، مثل تطبيق نظام الضرائب التصاعدية، ووضع حد أدنى وحد أقصى للأجور، وتزداد صعوبة المهمة بعد إفصاح الفترة الماضية عن توجهات النخبة الحاكمة الجديدة في الإبقاء على المنظومة القديمة بعد إعادة طلائها. • مدى نجاحها في الضغط بهدف صياغة إستراتيجية تنموية، تتحدد أولوياتها طبقاً لاحتياجات الشعب، وتبتعد عن إملاءات المؤسسات المالية الدولية، والقوى الدولية، التي ترغب في أن يظل الاقتصاد المصري دائراً في فلك المنظومة النيوليبرالية العالمية، القائمة على المنح والقروض، والتبعية الاقتصادية. فتقول القاعدة إن السياسة الخارجية للدولة وتحالفاتها، هي انعكاس لمصالح الطبقة الممسكة بزمام السلطة. وهو ما يستلزم تفعيل المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى الضغط المتواصل، والمثابرة، فغالبية ثمارها تينع على المدييْن المتوسط والطويل. كما سيترتب على هذا قيام اقتصاد إنتاجي، يقوم على التنمية في القطاعيْن الزراعي والصناعي، والتخلي عن الاقتصاد الريعي أو الاستهلاكي الطفيلي، وهو ما يعني إعادة صياغة النسق القيمي للمجتمع، عبر شيوع قيم مثل العمل، والإبداع، والاجتهاد، لتحل محل قيم أخرى مثل "الفهلوة"، و"الشطارة"، وضربات الحظ التي تحقق الثراء السريع بلا حاجة لمؤهلات علمية أو بذل جهد، فالاقتصاد الإنتاجي يخلق مناخاً مثالياً للـ"النمو الصحي" للطبقة الوسطى. وغنيٌ عن البيان أن عودة الدولة إلى أداء دورها الاقتصادي والاجتماعي، برعايتها للفقراء والضعفاء من مواطنيها، يمثل خطوة أساسية في سبيل استعادة الطبقة الوسطى لمكانتها، وعودة الأمور إلى نصابها، بخلق مناخ صحي على المستوييْن السياسي والاجتماعي، شريطة أن تمارس الدولة ذلك الدور في إطار ما يعرف في العلوم السياسية بـ"الدولة الحارسة" التي تراقب ولا تتدخل إلا عند الضرورة، بما يضمن تحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية، عبر إنشاء شبكة للضمان الاجتماعي تكفل الفقراء والمستضعفين، وبما ينشئ منظومة رقابية تشجع المنافسة وتمنع الاحتكار، وبما يحقق التوزيع العادل للثروة. والأهم هنا أن تتوقف عودة الدولة ودورها عند حد الدولة "الحارسة" دون "الكابسة"، بما يسمح للمجتمع بالعمل والحركة الطبيعية بلا وصاية أو هيمنة من قِبل الدولة على حركته والتفاعل بين مكوناته، فقد عانت العلاقة بين الدولة والمجتمع في مصر طيلة تاريخها منذ عهد محمد علي من اختلال التوازن لصالح الأولى، بسبب النزعة الإذعانية للطبقة الوسطى تجاه الدولة وآن الأوان أن تستعيد هذه العلاقة توازنها. لقد دفعت ثورة 25 يناير 2011 بقطاعات كبيرة من المجتمع المصري عامة، والطبقة الوسطى خاصة، إلى دائرة المجال العام، عبر موجة كبيرة من التضاغط والتدافع السياسي والاجتماعي، فينبغي على الطبقة الوسطى أن تغتنم هذه اللحظة التاريخية التي تحررت فيها من نزعتها الإذعانية تجاه الدولة، كي تحقق حضوراً كبيراً في المجال العام، بما يتيح لها أن تصنع مستقبلها بيدها، عبر إعادة صياغة السياق السياسي والاجتماعي، بما يحفظ لها حقوقها، ويعيد إليها سمتها المميز وتجانسها المفقود، وألا تعود أدراجها للجلوس على مقاعد المُتفرِّجين، فهي الركيزة الأساسية لقيام الديمقراطية، واحترام الحقوق والحريات في المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية، فالطبقة الوسطى لديها الرغبة والقدرة على قيادة حركة المجتمع من أجل إعادة التوازن إلى علاقته بالدولة وبناء نهضة حضارية تليق بمصر، كما أنها تحمل الأهم ألا وهو النسق القيمي الوسطي المعتدل، المُعبِّر عن الروح الحضارية المصرية الأصيلة.