11 سبتمبر 2025
تسجيلما أن يدخل هذا الشهر الكريم بأيامه العشرة الأولى، إلاّ وتأتي العشرة الثانية سراعاً، وتحط بعدها رحال العشرة الأخيرة الختام، وتمضي كالخيل المرسلة، فأيامه معدودات بمساحات الخير التي فيها، وما أجملها من مساحات ومحطات، فالكل يسعى للتزود ليكون له منها وافر النصيب من الحسنات وحُسن الثواب من المولى الكريم، لمن يدرك قيمة ومعنى قوله تعالى "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ". فأيامه المعدودات الغاليات ليست شكليات وصوراً وأعمالاً تؤدى من ترك طعام وشراب، ولكنها مدرسة حية بموادها لمن يُحسن استيعابها وفهمها واستثمارها، خاصة ونحن مع هذه الجائحة التي ألمّت بنا جميعاً، "كل الخواطر دمعها وسكونها تدعوك خاشعة بحبلك نعتصم"، فمن عرف قدر وشرف زمانه استثمر أيامه ولحظاته وأوقاته، واغتنم ما تحمله من أرباح، وما أغلاها من أرباح، وتعلّمنا قيمة الاحتفاء بالقيم وبالأخلاق العملية في واقعنا بعيداً عن المثاليات، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فهو شهر الأخلاق والقيم والدروس العملية، والخلاصة من دروسه (لَعَلَّكم تَتَّقُونَ). فمن الخذلان ومن الغفلة أن يأتي هذا الشهر المبارك على البعض منا رجلاً كان أو امرأة، شاباً أو فتاة (جاءكم شهر رمضان) وهو كحال فطره لا جديد سوى أنه صائم - نعوذ بالله من الغفلة -، فهو لا يحسن ولا يدرك معنى استثمار الفرص التي تأتيه، وتكون بين يديه من قدوم موسم الطاعات والقربات والنفحات، وما بها من غنائم ضخمة، "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، فلا يأتي علينا هذا الشهر ونحن في فوضى في أوقاتنا، وأصابعنا مع هواتفنا بمنصات التواصل تشغلنا، وتأخذ من أوقاتنا الكثير عن قراءة القرآن وتدبره والتماس ما فيه من معان لحياتنا، وأعيننا كذلك على مشاهدات فضائية تافهة فارغة ساقطة، ومن سهر الليالي ونوم النهار، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فأيامه معدودات. فالحمدلله على بلوغ شهر رمضان المبارك ونحن أحياء أصحاء، وغيرنا من الأهل والأحباب والأصحاب قد رحلوا عن هذه الدنيا، كنا نرجو من الله تعالى أن يكونوا معنا ولكن هذا قدر الله الرحيم بهم وهم يتوسدون التراب رحمهم الله وجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، وليس لنا معهم سوى ما نحمله من الذكريات والأحداث والمواقف رحمهم الله، وغيرنا كذلك على فراش المرض أقعده عن استقبال هذا الشهر استقبال المحب واستثمار ما فيه من أعمال صالحة. فلنحمد الله على نعمة الصحة والعافية، فأيامه معدودات، (وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ) والمزيد، ففضل الله لا منتهى له، وخزائنه مَلْأَى سبحانه وتعالى. "ومضة" فأيامه معدودات (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ). [email protected]