19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا يحتاج المرء لكثير ذكاء كي يدرك أن ما يجري في اليمن ليس فقط صراعا بين المسلحين الحوثيين والمؤيدين للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وبين الشرعية التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي. فهو وجه من أوجه الصراع الإقليمي بين المحور الذي تقوده إيران التي تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة، والمحور الآخر الذي يمثله التحالف العربي المشارك تحت راية "عاصفة الحزم"، والذي يريد وقف التدخل الإيراني في المنطقة. الإقرار بواقع أن ما يجري في اليمن هو نتيجة لتطلعات إيران التوسعية لا ينفي الإقرار بواقع آخر، وهو وجود بنية تحتية قابلة لاستقبال هذه التطلعات. فلو كانت أمور اليمنيين مستقرة، ولو كان هناك جيش وأجهزة أمنية تتبع لمؤسسات الدولة الدستورية، ولو كان اليمنيون – وهذا الأهم- على قلب رجل واحد، لما تجرأ الحوثيون على مغادرة جبال صعدة والزحف نحو صنعاء والسيطرة عليها والوصول إلى عدن. ولما كان بإمكانهم اختراق ألوية وكتائب الجيش وإقناع بعض قياداته بالعمل لمصلحتها. فالإنجازات هذه لا تعود لشكيمة الحوثيين في الحرب، ولا لمكرهم ودهائهم، ولا للدعم الإيراني السخي الذي يصلهم، بل قبل كل ذلك يعود للتهتك الداخلي الذي يعاني منه اليمن، وهشاشة بنيته الاجتماعية والسياسية والعسكرية، مما جعله لقمة سائغة للمسلحين الحوثيين ومن ورائهم إيران. من المعروف أن للحوثيين طموحا تاريخيا بعودة سيطرة المذهب الزيدي على البلاد، وبات بديهياً سعي إيران للتوسع في المنطقة. وهي وجدت في صنعاء مكاناً يمكن أن يكون مركزاً لنفوذها كما فعلت قبلها في بيروت ودمشق وبغداد. لكن لا هذا ولا ذاك كافيا لتبرير السهولة التي سيطر فيها الحوثيون على اليمن، ونجاحهم باستمالة أشخاص وجماعات وشرائح لم تكن من صفوفهم ولا تشاركهم تطلعاتهم ولا رؤاهم ومخططاتهم. هم أناس يائسون بائسون، شعروا بالظلم والتمييز، وكان يكفي لاستمالتهم وكسب ودّهم والحؤول دون وقوعهم في شراك الحوثيين الحوار معهم والاستماع إليهم. ما ينطبق على اليمن ينطبق على غيره من الأقطار العربية. ففي كل بلد عربي تجد من يشكو من الظلم والتهميش والاستبعاد والتمييز، على اختلاف الأسباب تبعاً لكل بلد وظروفه. هؤلاء سيظلون قنبلة موقوتة، ينتظرون اللحظة التي يتمكنون فيها من قلب الواقع لصالحهم، والانتقام من الظلم الذي لحق بهم، بتهميش الآخرين وإبعادهم والتضييق عليهم، مستعينين بقوى خارجية كما حصل في اليمن. وهو ما على الأنظمة العربية تداركه والالتفات إليه، ولا يكون ذلك إلا بتحصين التماسك الداخلي والسعي لعدالة اجتماعية تحقق الحد الأدنى من المساواة بين أفراد المجتمع. في مقابلة تلفزيونية قبل أيام، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما: "إن أكبر خطر يهدد الدول العربية ليس التعرض لهجوم محتمل من إيران، وإنما السخط داخل بلادهم، لاسيما من قبل الشبان الغاضبين والعاطلين، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم". هو توصيف ربما لا ينطبع على جميع الدول العربية، لكنه حتماً ينطبق على بعضها، حيث يعاني الشباب من البطالة والإهمال، وحيث يعشعش الفساد في أجهزة الدولة، وتغيب العدالة الاجتماعية، ويسود الظلم والقهر.نستطيع أن نصرخ ونحتج ونغضب ونندد بتوسع النفوذ الإيراني في منطقتنا، ومن تآمر العالم علينا.. لكن أليس من أسباب هذا التآمر والتوسع هو ضعفنا وتفرّقنا وشعور الكثير منا بالغبن والظلم؟! كيف لنا أن نطلب تكاتفاً ووحدة داخلية وشعوراً بالانتماء للوطن في الوقت الذي يشعر كثيرون من أبناء هذا الوطن بالاستبعاد والتضييق؟!.الوضع الداخلي لأي بلد هو الذي يسمح أو يمنع تسلل أطراف خارجية للتدخل بشؤونه الداخلية. وكلما كان الوضع الداخلي متماسكاً، وسادت العدالة الاجتماعية بين أبنائه، كلما كانت منعة هذا البلد أكبر، وإمكانية التسلل إليه واختراق نسيجه الاجتماعي أكثر صعوبة. فالشعور بالظلم والتهميش وعدم السماح للبعض بالتعبير عن أنفسهم، ومنعهم من المشاركة في بناء الوطن يولد غضباً وشعوراً بعدم الانتماء للنسيج الاجتماعي الذي يعيشون معه، حينها يبدأ البحث عن وسائل لتغيير هذا الواقع ورفع الظلم، سواء كانت هذه الوسائل أخلاقية أو غير أخلاقية. في هذه اللحظة بالتحديد يتسلل الخارج، ويبدأ بتنفيذ مخططاته التوسعية بذريعة تقديم العون لحلفائه. ربما تكون العدالة الاجتماعية الكاملة مستحيلة. فإرضاء البشر غاية لا تدرك، ومهما بُذل من جهد فإن البعض سيبقى يشعر بالتهميش والظلم، لكن هذا البعض سيبقى شريحة معزولة، لن تجد من يؤيدها أو يمشي في ركبها.