16 سبتمبر 2025

تسجيل

عواصف في سماء أنقرة - واشنطن

12 أبريل 2014

لم تقدم الانتخابات البلدية في تركيا ما كان يصبو إليه رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان. فالفوز الذي حققه بنسبة تقارب الـ 45 في المئة كان يريد أردوغان من ورائه تعزيز موقعه الداخلي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية أيضا.نجح أردوغان في أن يظهر بمظهر الزعيم الذي يمكن أن يكون مرشحا قويا، بل الأقوى، لانتخابات رئاسة الجمهورية في أغسطس المقبل، وبذلك يعاظم من التأثير النفسي على منافسيه.غير أن التحدي الأكبر الذي يواجهه أردوغان خارجي وإن كان يتمظهر أحيانا بأدوات محلية.فبعد انفجار الاحتجاجات في ساحة تقسيم وحديقة غيزي في يونيو 2013 لم يتأخر أدروغان في توجيه الاتهام للغرب، ولاسيَّما الولايات المتحدة، بأنها تقف وراء تلك الاحتجاجات واستند أردوغان في ذلك إلى الحملة الإعلامية الواسعة ضد أردوغان في أكثر من بلد غربي ولاسيَّما الولايات المتحدة وبريطانيا.وكانت ذروة التوتر التركي- الغربي مع انفجار فضيحة الفساد في 17 ديسمبر الماضي، حيث طالت اتهاماتها أردوغان شخصيا مع ابنه بلال وأربعة من وزرائه ومسؤولين آخرين من حزب العدالة والتنمية.وذهب أردوغان إلى اتهام الولايات المتحدة مباشرة بأنها تستخدم جماعة فتح الله غولين لكي تضعف سلطته والإطاحة به. وهدد أردوغان علنا السفير الأمريكي في أنقرة فرنسيس ريكياردوني بأنه قد يكون شخصا غير مرغوب فيه على الأراضي التركية.وفي اتصال هاتفي من الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع أردوغان في 19 فبراير الماضي طلب أردوغان تسليم غولين إلى الحكومة التركية، غير أن أوباما رفض ذلك.التوتر الأمريكي – التركي ليس جديدا، فقد بدأت بوادره منذ مايو 2013 عندما التقى أردوغان وأوباما في البيت الأبيض وهو الأخير منذ ذلك الحين بين الرجلين، حيث ركز أوباما على أردوغان أن يتخلى عن توفير الدعم لتنظيم القاعدة وتسهيل عبور مقاتلي التنظيم عبر تركيا إلى سوريا. لم يعط أردوغان أي جواب حاسم.بعد ذلك كان غضب أوباما على أردوغان لأنه لم يقابل خطوة اعتذار رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من تركيا على حادثة مرمرة بما يعيد تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل بشكل كامل.الخلاف بين أنقرة وواشنطن لم يتراجع، بل كاد يتحول إلى قطيعة بينهما بعد تراجع الولايات المتحدة عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا في نهاية أغسطس الماضي بعدما بدت الضربة حقيقة مطلقة، وهو الأمر نفسه الذي انعكس على العلاقات الأمريكية مع السعودية.من المعطيات والتسريبات وما يظهر في وسائل الإعلام فإن عاملين أساسيين يقعان في أساس الموقف الأمريكي السلبي من أردوغان شخصيا. الأول أن سياسة أردوغان الخارجية في الشرق الأوسط تعرضت لضربات قوية وأوقع تركيا في عزلة عن معظم دول المنطقة ما يجعلها غير قادرة على لعب دور يخدم السياسات الأمريكية في المنطقة وتحتاج تركيا بالتالي إلى تغيير في سلطتها السياسية بما يعيد خيوط الدور التركي إلى المنطقة.أما العامل الثاني فهو الاختلاف في النظرة إلى كيفية مقاربة الأزمة في سوريا، ولاسيَّما لجهة ضرورة وقف الدعم التركي لتنظيم القاعدة. ويرى السفير الأمريكي في أنقرة ريكياردوني أن تركيا والولايات المتحدة متفقتان في الأهداف الإستراتيجية في سوريا لكنهما مختلفتان جدا في طريقة المقاربة. وعارض ريكياردوني أي مغامرة عسكرية للجيش التركي في سوريا. كانت واشنطن تأمل أن يخرج أردوغان من الانتخابات البلدية أقل قوة.لكن تأكيد شعبيته الداخلية في الانتخابات البلدية لم يدفع الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها، بل يبدو أنها انتقلت إلى مرحلة جديدة أكثر تقدما وتحديا لإضعاف أردوغان وإشعاره بأنه لم يعد مرغوبا به أمريكيا. والمثال الأكبر والأبلغ على ذلك ما نقله الكاتب سايمور هيرش قبل أيام نقلا عن مصادر الاستخبارات الأمريكية والبريطانية من أن مجزرة الغوطة الكيميائية في 21 أغسطس الماضي قامت بها المعارضة السورية بتخطيط وتحريض مباشر من رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان وهو السبب الذي دفع بأوباما إلى إلغاء الضربة العسكرية حينها وتم تخريجها عبر اتفاق مع روسيا حتى لا يحدث كشف تلك التقارير عن مسؤولية أردوغان بكارثة في صفوف الجبهة الغربية المعارضة للنظام السوري.وكتأكيد على صحة المعلومات نقل هايرش تفصيلا دقيقا لوقائع اللقاء بين أردوغان وأوباما المغلق في واشنطن في مايو الماضي، ما يعني أن المصدر هو البيت الأبيض مباشرة.مقالة هايرش في توقيتها، آخر إشارة أمريكية، لكنها الرسالة الأقوى حتى الآن على أن العلاقات التركية- الأمريكية ستشهد المزيد من التوترات ما دام رجب طيب أردوغان في السلطة!