18 سبتمبر 2025

تسجيل

الإعلام العربي بين اللاسلطة والسلطة الرابعة (2)

12 أبريل 2014

تثار من حين لآخر قضايا وإشكاليات حول الإعلام العربي وموقعه في المعادلة السياسية ودوره في صناعة الرأي العام وصناعة القرار وعلاقته بالسلطة وهل من سلطة له؟ وهل يستطيع أن يكون سلطة رابعة؟ تعامل الإعلام العربي مع القضايا اليومية المحلية والدولية خاصة الأزمات والصراعات والمشكلات التي يعاني منها المواطن تشير إلى أزمة أداء وأزمة مصداقية وفجوة بين النظام الإعلامي والشارع. ففي آخر المطاف النظام الإعلامي ما هو إلا نظام فرعي من النظام الكلي السائد في البلاد؛ وإذا كان هذا النظام مغلقا ورافضا ومقصيا ومنفرا لإعلام الاستقصاء والرقابة والكشف عن التجاوزات والتلاعب فهذا يعني أن الكلام عن نظام إعلامي فاعل في المجتمع يبقى من دون جدوى. فالإشكالية هنا هامة ومعقدة في الوقت نفسه لا يمكننا تحليل وتفكيك خيوطها بمعزل عن الإطار العام الذي يعمل فيه النظام الإعلامي العربي، هذا الإعلام الذي في حقيقة الأمر ما هو إلا جزء من نظام كلي يتميز بخصائص ومعطيات قد تقصي هذا النظام الإعلامي من أن يكون سلطة رابعة. والملاحظة الأولى هنا تتمثل أن في معظم الدول العربية لا يوجد هناك فصل بين السلطات فكيف نتكلم عن السلطة الرابعة، ولا توجد إلا سلطة واحدة فقط في النظام. من جهة أخرى نلاحظ أن العلاقة بين السلطة والإعلام في الوطن العربي تسيطر عليها الأبوية والزبونية والغموض بحيث تبقى الآلة الإعلامية في نهاية المطاف تحت تصرف السلطة وفي خدمتها هي وحدها فقط. فلا سلطة رابعة في غياب الديمقراطية وسلطة القانون واستقلالية القضاء. وفي ظل هذه الأجواء الغامضة والمشحونة بالالتباس يبقى كذلك الكلام عن مخاطبة الآخر وتسويق صورة إيجابية وحقيقية عن أنفسنا من عالم المستحيلات. فالذي يفشل في مخاطبة نفسه ومحيطه سيفشل في مخاطبة الآخر لا محالة.فميثاق الشرف من الأدوات الضرورية لنجاح المؤسسة الإعلامية ومن هنا يترتب على كل دولة عربية أن تتبنى فكرة حماية وصيانة الممارسة الإعلامية بميثاق شرف إعلامي يضعه الصحفيون المهنيون والمشرفون على المؤسسات الإعلامية دون تدخل أي جهة سواء رسمية، حكومية أو خاصة. عربيا ميثاق الشرف ضروري لتجنب الدخول في متاهات لا جدوى من ورائها مثل المساومات والمزايدات حيث نلاحظ في بعض الأحيان تورط بعض المؤسسات الإعلامية في صب الزيت على النار لتصعيد المواقف والأزمات بدلا من تهدئة الأجواء والدعوة للتأني والتبصر والاحتكام للحوار والنقاش والمصالحة. فالأمة العربية اليوم وأكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى وئام وتلاحم وانصهار لمواجهة التحديات التي لا تحصى ولا تعد.لا نستطيع أن نتكلم عن سلطة رابعة في غياب الصناعات الثقافية والإنتاج الإعلامي العربي ومدى قدرته على التفاعل مع الإنتاج العالمي وقدرته على تسويق الفكر والصورة والذهنية العربية. وإذا أخذنا موضوع القنوات الفضائية العربية كمثال للخطاب الإعلامي العربي أو كمثال لمخرجات الآلة الإعلامية العربية نجد أن معظم هذه الفضائيات ركّزت على التكنولوجيا وأهملت الرسالة ومعظم هذه الفضائيات تفتقر لخطة ولإستراتيجية ولميزانية لإنتاج الرسالة الإعلامية الهادفة التي تواجه بها التدفق الإعلامي العالمي الغزير. وأصبحت العملية عبارة عن البحث عن المال والشهرة على حساب الفعل الإعلامي الإيجابي والمسؤول.تحديات الألفية الثالثة في مجال الاتصال والمعلوماتية متشعبة ومتعددة وخطيرة في الوقت نفسه والعالم العربي يجد نفسه اليوم أمام واقع يحتّم عليه التحكم في التطورات التكنولوجية الهائلة في مجال الإعلام والاتصال ومواكبتها وهذا لا يعني التحكم في التكنولوجيا دون التفكير في الرسالة والمحتوى والإنتاج بعبارة أخرى في المخرجات. والتحدي الكبير الذي يواجه العالم العربي هو حماية وصيانة الهوية الثقافية والحضارية للأمة العربية وشخصيتها القومية ومواجهة الذوبان في الثقافة العالمية - الأمريكية- التي لا تعترف لا بالحدود ولا بالقيم ولا بالآخر. التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحرير هذا الإعلام وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات. التحدي يتمثل في الاستغلال الأمثل للقدرات والطاقات والإمكانات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تنافس وأن تقنع وأن تسوّق الأفكار والقيم والأصالة والهوية العربية للآخرين، كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال والجمهور من أجل إرساء قواعد الثقة والمصداقية والفعالية في الأداء، بعبارة أخرى الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء واستقلالية المؤسسة الإعلامية من كل نفوذ سياسي أو مالي، وإذا خرجت هذه المؤسسة عن الإطار القانوني فإنها تمثل أمام القضاء كغيرها من المؤسسات المختلفة في المجتمع بشرط أن يكون هذا القضاء مستقلا وعادلا. التحديات تتطلب الإنتاج وإعطاء البديل وتأكيد الهوية والذات وهذه الأمور لا تتحقق إلا بالدراسة والبحث وتوفير الإمكانات المادية والبشرية والميزانيات المعتبرة حيث "إن فاقد الشيء لا يعطيه". معركة القرن الحادي والعشرين ستكون معركة إعلامية اتصالية معلوماتية يحسم نتيجتها مسبقا من يعرف كيف يستغل تكنولوجية الإعلام والاتصال وصناعة المعرفة ومن يوّفر جو الحرية والديمقراطية للإبداع والابتكار والحوار الديمقراطي البناء والفعال. تحتاج الدول العربية قاطبة وأكثر من أي وقت مضى إلى تحرير الإعلام وتحرير الطاقات المبدعة من أجل إعلام قوي وفعال، إعلام يساهم في العملية التنموية وإعلام يواكب التطورات السريعة التي تحدث على المستوى المحلي والدولي في مختلف المجالات. فالإعلام هو بارومتر الديمقراطية وهو محرك التغييرات في المجتمع وهو منبر للآراء والأفكار والحوارات والنقاشات من أجل الأفضل ومن أجل المنافسة والتميز. فالإعلام يجب أن يكون صاحب رسالة شريفة ونبيلة من أجل التنوير والتثقيف والتوعية ومن أجل نشر ثقافة الشفافية والصراحة، وليس أن يكون مؤسسة في المجتمع من أجل المدح والتسبيح والتثبيت والتقليد والتهميش والتعليب.