22 سبتمبر 2025

تسجيل

"تهدئة" أمريكية لإسرائيل ولإيران

12 مارس 2012

في الجزء الأول من خطاب باراك أوباما أمام المؤتمر السنوي للوبي اليهودي (إيباك)، الأحد 4/3/2012م، كان تصفيق الحاضرين متواصلاً بلا توقف، إذ عرض فيه الرئيس الأمريكي علاقاته القديمة والعميقة مع رجالات اليهود وساستهم، ثم أورد لائحة طويلة من الإنجازات والمكاسب التي حققها لإسرائيل، متوقفاً تحديداً عند إحباطه محاولات إدانتها بعد الإغارة على "أسطول الحرية"، وتعطيله "تقرير غولد استون" عن جرائمها في حرب غزة، وأخيراً ضربه محاولات السلطة الفلسطينية نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، ثم أضاف كل الالتزامات السابقة والحالية واللاحقة بشأن الدفاع عن إسرائيل وأمنها والحيلولة دون "التشكيك في شرعيتها". ثم تبين أنه كان يمهد للجزء الثاني من الخطاب، وهو يتعلق بإيران وبالإجابة التي ينتظرها اليهود عن السؤال: هل يفعلها أوباما ويعلن من مؤتمر "إيباك"، أنه يدعم رغبة إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإسرائيلية؟ هنا تراجع التصفيق، حتى أنه خمد كلياً، لأن الجميع فهم أنه لا يؤيد خيار الحرب، بل يلوم إسرائيل على إثارته، لأن إيران استغلته للتصعيد، مما أدى إلى رفع أسعار النفط وتسبب بالتالي بخسائر لدول الغرب المفترض أنها جميعاً حليفة لإسرائيل. ورغم أن أوباما كان يعلم ان بنيامين نتنياهو، الذي سيلتقيه غداة هذا الخطاب، يعمل على تحريض متطرفي الحزب الجمهوري في الكونجرس، إلا أنه استهزأ أيضاً بالدعوات داخل أمريكا لشن حرب على إيران. كان واضحاً أن الرئيس الأمريكي تسلح لمواجهة الضغوط الإسرائيلية بحقيقة أن الحلفاء الغربيين جميعاً مستاؤون من البلبلة التي تحدثها إسرائيل عبر إشاعة أنباء عن قرار وشيك لديها، وانها حتى يمكن أن تشن الضربة الجوية من دون إبلاغ الأمريكيين، ثم أن النقاش داخل الإدارة الأمريكية نفسها لم يحسم باتجاه الخيار العسكري، وهذا ما أبلغه عدد من المستشارين والجنرالات الأمريكيين الذين زاروا إسرائيل تباعا بهدف ضبط توتراتها، وطالما أن الإدارة والحلفاء الغربيين ضد أي عمل عسكري – في الوقت الحالي – فما على إسرائيل إلا أن تنصاع. حاولت الصحف العبرية أن تحرف مواقف أوباما من خلال قراءات مغرقة في التحليل لتقول في نهاية المطاف إنه كان أقرب إلى وجهة نظر إسرائيل مما قد يفهم من كلامه، لكنه عمد بعد يومين إلى توضيح مقاصده بحيث تكون مفهومة ومبسطة، ففي مؤتمر صحفي قال إنه "لن يقبل" حصول إيران على سلاح نووي، وأن هناك فرصة لتسوية الأزمة دبلوماسياً أي عبر المفاوضات المرتقبة في تركيا، وانه يعتقد أن إيران تعاني بشدة من تأثير العقوبات، وهو أرفق ذلك بتأكيده "صلابة" التزام الولايات المتحدة حيال إسرائيل، وأن الأخيرة "يجب أن تبقى سيدة مصيرها"، أما وزير الدفاع ليون بانيتا فجدد لنتنياهو التعهد الأمريكي، بالحفاظ على "التفوق العسكري لإسرائيل". مع ذلك، كان واضحا أن إدارة أوباما استعدت لابتزازات نتنياهو فهو لم يطلق أي تصريح يفهم منه تخلي إسرائيل أو تأجيلها أي سعي إلى ضرب إيران، أقله في المرحلة الراهنة، بل لم يبد أي مراهنة على التفاوض أو العقوبات، لكنه استغل الخلاف مع أوباما لانتزاع بعض المكاسب لتقوية موقفه لدى عودته إلى ائتلافه الحكومة ليقول "دعونا نبق ضغوطنا"، لكن لا داعي لأن يكون الخيار العسكري في التداول الإعلامي، فهو يزعج حلفاءنا وأصدقاءنا أكثر مما يبدو أنه يخيف الأعداء"، في العادة يكون أي رئيس وزراء إسرائيل مستقوياً في الموسم الانتخابي الأمريكي، لأنه يكون في موقع جيد للرئيس المرشح لولاية ثانية، ولو أن الأمر كان يتعلق بالفلسطينيين أو العرب لما وجد أي مشكلة في الضغط على أوباما وإحراجه، لكنه يتعلق بقرار حرب، وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية وانعكاسات حربي العراق وأفغانستان فإن أوباما يستطيع الاستناد إلى "مصلحة أمريكا" ليعاند أي محاولة لابتزازه. يضاف إلى ذلك أن أوباما ليس في وضع انتخابي صعب، كما ساد الاعتقاد قبل بضعة شهور، بل ان أقوى منافسيه الجمهوريين لا يبدو مؤهلاً بشكل كاف لإلحاق الهزيمة به حتى لو دعمه اليهود. لكن مناخ التهدئة الذي حاول أوباما إشاعته، واستبعاده خيار الحرب، ورهانه على العقوبات والدبلوماسية، كانت موجهة كلها إلى إيران نفسها، بمقدار ما وجهه إلى إسرائيل، وليس مؤكدا أن طهران ستقرأ الموقف الأمريكي بالطريقة التي يتمناها اوباما، فمن جهة قد نجد فيه ضعفا وتقهقراً لتستنتج أن لغة القوة التي تنهجها فعلت فعلها،ومن جهة أخرى قد تعتبر أن خصومها لن يتمكنوا يوماً من توحيد صفوفهم في حرب ضدها، لتستنتج أيضا أنها ستذهب إلى مفاوضات يسيرة ومريحة، بمعنى أنها ستذهب إلى مفاوضات معروفة النتائج مسبقا، أي إلى لا نتيجة وإلى استمرار الأزمة في تسميم الأجواء الدولية، وبالتالي تحافظ إيران على هدفها الوحيد، كسب الوقت، لكن كسب الوقت لماذا إذا لم يكن للوصول إلى إنتاج سلاح نووي، واقعياً، تعرف ايران أنها حصلت على اعتراف دولي بحقها في إنتاج الطاقة النووية المخصصة للاستخدام السلمي، فما الذي يمنعها إذن من تبديد هذه الأزمة مع الغرب، خصوصاً أن وزير خارجيتها علي أكبر صالحي أكد أخيراً في منتدى دولي أن السلاح النووي وامتلاكه يتناقض مع عقيدة بلاده وحكومته. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تدفع فيها إيران بهذه الحجة المبدئية، لكنها تعجز عن إثباتها على أرض الواقع. إذا كانت طهران معنية بتوضيح موقفها بما لا يقبل الشك، وإذا كان برنامجها النووي مبينا فعلا لأهداف علمية وسلمية، فهي باتت تعرف ما هو مطلوب منها لقطع الشك باليقين، وفي هذه الحال، لن تجد صعوبة في إنجاح المفاوضات المقبلة، وهذه هي القراءة المطلوبة للمواقف الأمريكية والأوروبية، أما إذا كانت تعمل على "أجندة خفية"، كما يقول خصومها، وتعمد بين الحين والآخر إلى التصعيد حماية لهذه الأجندة، فعندئذ لا يمكن توقع أي نجاح لأي مفاوضات. والسؤال المطروح دائماً: هل لإيران – ولإسرائيل أيضاً – مصلحة في نزع فتيل التأزيم؟ الواقع والوقائع والسوابق تنبئنا بأن هاتين الدولتين تستفيدان من التأزيم أكثر.