22 سبتمبر 2025
تسجيلفي هذا العالم الذي نعيش فيه يريد كل إنسان أن يعرف الحقيقة التي تريح ضميره وتشرح صدره وتنقي تفكيره من التشويش والغبش اللذين قد يؤثران على مرآة عقله وقلبه فيصبح أعمى البصر والبصيرة، حتى يمكن للخديعة أن تحتل مكان الحقيقة بالزيف عند هذا المرض وهنا الهلاك إذ يغدو هذا الإنسان بعيداً عن هدى الشرع الذي هو عصمة للعقل وبعيداً عن نبراس العقل الذي هو نور للشرع بل أصل له كما يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر ص 108، ولكن الخطورة تزداد في هذا الشأن عندما تبتلى الجماهير بحاكم بعيد عن الحق والحقيقة معاً فهو بالنسبة للحق مثلا يعتبر الظلم عدلا والاستقامة اعوجاجا فلا يتصف إلا بما يمليه عليه هواه، وهو على ذلك في باب الحقيقة ينكرها أو يتجاهلها حتى لو كانت من أوضح الثوابت ماديا أو معنويا كما قال الشاعر البوصيري: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم أو ينكر هذا المغرور المتغطرس الذي يهرب من الحقيقة مثلا أن يصف بلده بالتخلف وإن كان ذلك حقيقة فيخدع نفسه ويشوش من يتبعه ليعلن أن بلده متقدم أو مزدهر جدا بل قد يصل إلى الادعاء أنه متفوق على الكثير من الدول والبلدان وفي معظم المجالات وهنا يغالط الواقع ويخون أمانة الحق والحقيقة ليخدع الناس ويضمن زعامته وخصوصا إذا كان يستعمل مع ذلك الإرهاب العملي، إن مثل هذا الأسلوب الخسيس في التعامل مع الجماهير والأحداث، إنما هو أسلوب خطير يضر بهذا الحاكم المدلس الغشاش قبل أن يضر بالآخرين ولابد أن تكشف الحقيقة لأن الشمس لا يستطيع أي غربال أن يغطيها وفي التاريخ أمثلة لا تحصى على ذلك وفي أيامنا هذه رأينا كيف سقط مثل هؤلاء الحكام الخادعين الحمقى والمجانين عندما أصروا على اتباع مثل هذه الأساليب مستهجنين شعوبهم لعقود طويلة وما مثل مبارك وابن علي والقذافي وعلي صالح عنا ببعيد، وها هو المثل الشائن في سورية بجميع أبعاد الكذب والافتراء والتلبيس على الشعب وإنكار كل حق وحقيقة سائر على دربهم ولابد أن يقهره الله وأبطال الشام مهما ظن وتوهم أنه أخطبوط يمكن أن يتمدد في كل صعيد ليقنع السوريين وغيرهم بما لا يمت إلى الحق والحقيقة بأي صلة، إن بشار الجزار وزمرته الأسدية والمنافقة التابعة له ترغيبا أو ترهيبا قد يستمرون ظلما وقهرا جزءا من الزمن المتبقي ولكن سنة الله الذي يصهر النفوس في معركة الحق والباطل لا تتخلف والمؤمنون الذين يثورون على الظلم وينتصرون لانتهاك الحرمات لابد بإذن الله أن يغلبوا ويتفوقوا (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين)، "الأنفال: 62" وعندما يرى العالم كذب عصابة الغدر والإجرام في زعمهم أن ما دار ويدور في سورية منذ عام في حلبة الصراع بين الحق الرباني والباطل الشيطاني إنما هو تآمر خارجي أو تصرف عصابات إرهابية مسلحة أو سلفيون متشددون متطرفون يريدون أن يقضوا مضاجع الوطن ليصرفوا الناس عن حقيقة الاحتلال والاغتصاب الأسدي له منذ أربعة عقود ظلما وقهرا واستبدادا واستعبادا مما جعل الناس وقد شرختهم بخناجرها تلك المآثم والجرائم – في أشد مرارة للنفوس وهيجتهم للهبة في الربيع العربي فثاروا ولن يعودوا بإذن الله إلا بعد أن ينتصر الحق على الباطل والحقيقة على الخديعة ولابد في هذه العجالة أن نؤكد أن ما يجري على الحاكم في هذا الشأن هو نفسه ما يجري على من استطاع أن يكشف خدع هؤلاء بأي وجه لكنه عجز أو تعاجز أو جبن عن مقارعة الحكومة الظالمة ولو أن الرأي العام أعلن رسالته وعمل بها منذ عهد حافظ الأسد الديكتاتور الظالم وعالج الواقع بمثل ما تعالج به الثورة اليوم طغيان ابنه الجزار على كل صعيد لما رأينا رجع الصدى الحاقد حتى قتل هذا الابن الأبناء كما قتل أبوه الآباء في سورية الجريحة وكم نحن بأمس الحاجة لأن ننهض بأقوالنا وأفعالنا وأحوالنا وبإرادة فولاذية لا تعرف المستحيل حتى تطوى هذه الرواية الكاذبة بكل شخوصها ومواضيعها وحبكاتها المزورة ولابد لضوء المستقبل أن يظهر بعد الدخول في الأنفاق المظلمة مهما طغى الطائفيون الحقدة في حمص وادلب وحماه ودمشق وحلب ودرعا وغيرها وإن تاريخنا المعمد بالدم اليوم هو الذي يتكلم ويدعو للتحدي سيما أن ما بدا ويبدو من غلبة للثوار والجيش الحر وإسقاطهم طائرات واستيلائهم على دبابات وانشقاق الضباط المتزايد سيجعل الحق عاليا والحقيقة مشرقة والأهداف الكبرى محققة بإذن الله: سلاحي من عدوي والذخيرة وأهدافي وإن صغرت كبيرة ولعل في إيراد هذه الحكاية الصينية في أسطورة سيد القرود ما يفيدنا هنا إذ كان رجل عجوز في ولاية "تشوء الإقطاعية قد احتفظ بقرود لخدمته وكان أهالي تشو يسمونه: جوغونغ أي سيد القرود فكان يأمر أكبرها أن يقودها إلى الجبال لجمع الفاكهة من الاشجار ويفرض على كل قرد أن يقدم له عشر ما يجمع، ويعاقب كل متخلف بجلده دون رحمة فكانت معاناة القرود جسيمة لكنها لم تجرؤ على الشكوى، وذات يوم سأل قرد صغير الجميع هل زرع الرجل العجوز جميع اشجار الفاكهة قالوا: لا إنها تنمو وحدها فأجاب: ألا نستطيع أن نأخذها دون إذنه؟ قالوا: نعم فقال فلماذا نعتمد عليه ونخدمه، ففهمت القرود كلامه، فقامت بتمزيق أقفاصها واستولت على الفاكهة ولم تعد إلى الرجل أبدا وهنا مات هذا العجوز جوعا، يقول يولي زي: إن بعض الحكام يحكمون شعوبهم بالخدع لا المبادئ الأخلاقية وهم بهذا يشبهون سيد القرود ولا يعون أنه حين يدرك الناس أمرهم ينتهي مفعول أمرهم! كذا في كتاب المقاومة اللاعنفية للكاتب جين شارب ص 30 فمتى نصير أسوداً في وجه حكام قرود؟ د. خالد حسن هنداوي [email protected]