19 سبتمبر 2025

تسجيل

حرية الاعتقاد وإشكالية عقوبة المرتد

12 فبراير 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كفل الإسلام للناس جميعا في ظل دولته التي يقيمها حرية الاعتقاد دونما إكراه أو إجبار، حين قررت آيات القرآن الكريم أنه:"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" البقرة 256، وحين خاطب المولى سبحانه نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ" يونس 99.ويذهب الفقهاء القدامى إلى أن عقوبة المرتد متى ثبتت عليه جريمة الردة، عن الإسلام هي القتل، ويرون ذلك حدا، وتذهب بعض الآراء المعاصرة إلى أن عقوبة المرتد عقوبة تعزيرية مفوضة إلى السلطات المختصة في الدولة المسلمة، تقرر فيها ما تشاء من عقوبة.ولكن السؤال الذي طرحه بعض المتغربين اليوم، ما بال الذي يخرج من الإسلام بعد الدخول فيه يعدُّ مرتدا مستحقا للعقاب، أليس هذا يعد قيدا على حرية الاعتقاد؟ولا أجد أثرا كبيرا يترتب على اختلاف الفقهاء في شأن عقوبة المرتد، سواء من قالوا: إنها حدية أو تعزيرية، في نظر جماعات المتغربين ومن على شاكلتهم، إذ الاعتراض القائم في المشهد المعاصر على أصل العقوبة، حيث يستنكر المعارضون للعقوبة في بلادنا من الأساس رافضين أن تكون هناك عقوبة على الارتداد، ويعتبرون تقرير عقوبة أيا كان نوعها وحجمها معارضا لحرية الرأي والتعبير، ومصادما لحرية الاعتقاد التي تكفلها الدساتير الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.إنهم يريدون الأمر فوضى لا ضابط لها، وإن كان الغرب لا يقيم للردة وزنا فهذا شأنه مع أبنائه، وهم ليس لديهم تشريع ديني في المرتد، مثل كثير من التشريعات، أما نحن فلنا نظام خاص، ليس في الجرائم وعقوباتها فقط، بل في كل التشريعات السياسية والأسرية، والاجتماعية والاقتصادية التي تتصادم في كثير منها مع ما استقر لدى الغربيين، الذين يشرعون لأنفسهم دون تقيد بالدين، حيث أباحوا زواج الشواذ، وباركته بعض الكنائس الغربية، والزنى الذي اعتبروه حرية شخصية، والربا الذي أقاموا عليه اقتصادهم.إننا ـ نحن المسلمين ـ لنا نظام يختلف عن الناس جميعا، مستمد من تشريعنا، هذا النظام يقرر ألا يكره أحد على الدخول في الإسلام، ويكفل الحرية الكاملة لكل صاحب معتقد مسلما كان أو غير مسلم.وإن دخول الإنسان في الإسلام مع علمه بعقوبة الارتداد سلفا أشبه بعقد مع الدولة المسلمة فيه شرط جزائي، وما من عقد إلا وفيه مثل هذه الشروط التي تضمن صحة الانعقاد ونفاذ ما تم التعاقد عليه، ومعاقبة من يخل بالشروط، فإذا قبل بالشروط التزم بالجزاء.وهل يصح أن يدخل في الإسلام أحد ويشترط لنفسه مثلا: ألا يطبق عليه العقوبات مثل عقوبة الزنى أو الخمر، أو الحرابة أو السرقة؟ فإذا كان الجواب بالنفي، فهل إذا نقض هذا كله نقول هذه حرية، ومجرد نقض شخصي لعلاقة بينه وبين ربه، ليس للدولة أن تتدخل في ذلك.إن الارتداد عن الإسلام يعد خيانة، وإننا نخاطب بالعقوبة مسلما ارتد كان أمامه أن يظل على دين آخر، ولكنه أسلم وهو عالم بالعقوبة، ومع ذلك اختار ذلك، وفي هذه الحالة يبعد أن يقال: إنه ارتد عن الدين الباطل إلى الدين الحق لاقتناعه بذلك، فليس هذا بمنطق مقبول ولا بكلام معقول، وقلما يرتد إنسان إلا إذا كان صاحب غرض وهوى مثلما كان حال اليهود.ولقد رصد القرآن الكريم محاولة بعض اليهود الإساءة إلى الإسلام من خلال الدخول فيه ثم الخروج منه، قال تعالى:"وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" آل عمران 72.إننا لا نكره أحدا على الدخول في الإسلام، كما أن المرتد لا يكره على الرجوع إلى الإسلام حتى لا يتعارض هذا مع قوله تعالى "لا إكراه في الدين"، وإنما نترك له فرصة الرجوع باختياره دون إكراه، فإن لم يرجع يعاقب حدا أو تعزيرا. والإسلام يختلف عن غيره فهو عقيدة وشريعة، أي إيمان ونظام، فإذا علمنا هذا فإن حرية الارتداد عن الإسلام تعني حرية الخروج عليه، كما يقرر الشيخ محمد الغزالي، ومن حق دين تلك طبيعته ألا يسارع بالرضا، فليس في الأولين والآخرين نظام يعطي على نفسه صكا بحرية الخروج عليه.بقي سؤالان أجاب عليهما الفقيه القانوني الدكتور العوا:الأول: هل عقوبة المرتد تخالف المبادئ الدستورية التي تقرر حرية الاعتقاد؟ يقول: ليس في تقرير عقوبة تعزيرية على الردة مخالفة للمبادئ الدستورية والقانونية التي تقرر حرية الاعتقاد، فإن هذه المبادئ إنما تقرر حرية الاعتقاد في حدود النظام العام والآداب. والنظام العام في الدولة الإسلامية يأبى أن تكون حرية الارتداد العلني عن الإسلام مكفولة أصلا وإلا فقدت الدولة وصفها بأنها إسلامية، والارتداد المكنون ـ أو المستتر ـ لا سبيل لأحد إلى التنقيب عنه أو معاقبة صاحبه، وأمره في صحيح الفقه الإسلامي إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.الثاني: هل عقوبة المرتد تخالف مبدأ حق التعبير؟يقول: ليس في تقرير عقوبة تعزيرية على الردة مخالفة للمبادئ التي تقرر الحق في حرية التعبير وحرية الانتقاد، لأن هذه الحريات ـ وغيرها ـ مما تكفله الدساتير، إنما تتم ممارستها في حدود القانون، وأي قانون في دولة إسلامية يبيح الجهر بالردة يكون قانونا غير دستوري، ومتعارضا مع المبادئ الأساسية التي تقوم الجماعة الإسلامية على أساسها وتعمل الدولة الإسلامية بسلطاتها كافة على المحافظة عليها ورعاية الالتزام بها.