12 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم تنجح القيادة السياسية في اليمن في ظل أوضاع صعبة أن تحقق الانتقال السياسي للسلطة بعد ثورة 2011 في ظل صراع بين عدة قوى داخلية وقد كلفت هذه الصراعات فقط العام في 2014 مصرع حوالي 7 آلاف يمني منهم 1000 من المؤسسة العسكرية و500 من تنظيم القاعدة وحوالي 5000 من جماعة الحوثي خلال المعارك في مدن مثل عمران ومأرب وصنعاء.لكن الحدث الأهم بكل انعكاساته كان قيام جماعة الحوثي بالسيطرة على صنعاء والمقرات السيادية فيها في 21 سبتمبر 2014 تحت قوة السلاح ومنذ ذلك التاريخ تتابعت أحداث دراماتيكية كان أبرزها حالة الفراغ السياسي والدستوري التي تسببت بها استقالة الرئيس ومن ثم الإعلان الدستوري الذي أعلنه الحوثيون بشكل انفرادي. بدأ أحد فصول الحكاية بعد انطلاق الربيع العربي في اليمن في فبراير 2011 حيث ظلت السلطة في اليمن موضع صراع بين أطراف عدة وحاول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية وضع صيغة معينة للتوافق من خلال المبادرة الخليجية التي اعتبرت الثورة الشعبية في اليمن أزمة سياسية بين حزب المؤتمر الشعبي وتكتل أحزاب اللقاء المشترك. وقد ساهمت المبادرة الخليجية في رسم شكل أحداث اليمن بعد عام 2011 بشكل واضح. وحدّدت المبادرة مراحل العملية الانتقالية بدءاً من استقالة صالح، وتولي نائبه هادي الرئاسة لفترةٍ انتقالية ثم تكليف المعارضة تأليف حكومة «وفاق وطني»، وصولاً إلى صياغة الدستور الجديد ثم إجراء انتخابات تشريعية. وقد تم اعتماد المبادرة مرجعية دستورية للبلاد إلى حين صياغة الدستور. كما منحت المبادرة الحصانة للرئيس صالح، وهو ما رفضته عدة قوى معارضة في البداية .وأعتقد أن هذا منح مدخلا استغله صالح للعودة للمشهد وفي التحالف مع الحوثيين.وخلال هذه الفترة أيضا استطاعت الجماعة بشكل تدريجي توسيع نفوذها من خلال السيطرة على مدن بعد أخرى وكل هذا وهي منخرطة في الحوار الوطني بعد رفضها للمبادرة الخليجية الذين رأوا أنها همشتهم وهذا يدل على أن دخولها للحوار كان تغطية على تقدمها العسكري الذي تم بتنسيق مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. وفي 18 أغسطس 2014 تظاهر الحوثيون في صنعاء احتجاجا على زيادة الأسعار، وطالبوا بإسقاط الحكومة وتطبيق قرارات الحوار الوطني، وفي 21 سبتمبر سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، حيث استولوا على مقر الحكومة ومقار وزارة الدفاع والقيادة العامة للجيش والفرقتين السادسة والرابعة ومقرات أخرى.وقام الحوثيون بتقييد السلطة اليمنية وإبقائها فقط بشكلها الرمزي ونجحوا بتوقيع اتفاق (السلم والشراكة) الذي كان بمثابة إلغاء للمبادرة الخليجية وبموجب اتفاق الشراكة تم تغيير حكومة سالم باسندوة بحكومة خالد بحاح وحصل الحوثيون على 6 حقائب وزارية وتم تعيين أحد وجوه الجماعة صالح الصماد مستشارا للرئيس.وحاول الحوثيون فرض شروط تقيد صلاحيات الرئيس هادي منها الضغط عليه لتعيين نائب له منهم وشغل عددا من المناصب العليا وعملوا على دمج حوالي 50 ألف من عناصرهم داخل أجهزة الدولة وتحديدا في قوات الجيش . لكن الرئيس اليمني فاجأ الجميع في 22 يناير 2015 بتقديم استقالته إلى رئيس مجلس النواب وكذلك فعل رئيس الحكومة خالد بحاح وبرروا ذلك بعدم القدرة على ممارسة المهام التي كلفت بها الحكومة.وشكلت استقالة هادي أزمة جديدة وفراغا دستوريا أمام القوى بما فيهم الحوثيون الذين كانوا ينظرون إلى هادي كعائق أمام طموحاتهم إلا أنهم كانوا يريدون وجودا شكليا له يمررون من خلاله مطالبهم لكنه في أحد أبعاد استقالته وضعهم في مواجهة مباشرة مع الشعب اليمني ولكنهم قرروا مواصلة المغامرة ستفصح الأيام عن قدرتهم لتحمل مسؤولياتها خاصة في ظل رفض إقليمي خليجي وعربي لها.تختلف رؤى الأطراف الإقليمية والدولية تجاه ما يجري في اليمن فعلى صعيد الولايات المتحدة فهي لا تبدو مكترثة إلا بموضوع محاربة تنظيم القاعدة وهو ما يقدم الحوثيون أنفسهم من خلاله كرأس حربة لهذا المشروع كبديل عن الجيش اليمني الذي أثبتت الأيام ضعف قدراته. وهذا يعني إقرار الأمريكان بما يدور في اليمن.وهذا يتقاطع مع المصالح الإيرانية التي تدعم الحوثيين بالرغم من نفيهم لهذا حيث أشارت عدة تقارير أن للفوضى الأمنية التي عمت أرجاء اليمن بعد ثورة فبراير 2011 سمحت للحركة الحوثية بالحصول على الدعم العسكري الإيراني بشكل غير مسبوق، كما أن هناك شهادات موثقة تؤكد أن إيران قامت بتدريب نحو ألفي عنصر في معسكرات خاصة في إيران ولبنان، وفي جزر في القرن الأفريقي مستأجرة لحساب إيران. أما دول الخليج وعلى رأسها السعودية فإنها قد اعتبرت ما قام به الحوثيون بأنه انقلاب ودعتهم إلى الانسحاب من العاصمة واحترام سيادة الدولة حيث أن ما قام به الحوثيون يعني إلغاء المبادرة الخليجية بشكل مباشر. ومع التغيير في أعلى الهرم في السعودية ينتظر أن يكون هناك إعادة تموضع في محددات التعامل مع ملف اليمن.أما الأمم المتحدة فتقوم بجهود مضنية وما تزال جهود المبعوث جمال بن عمر مستمرة حيث ترى بعض الأطراف أن جهوده عبر الحوار في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون لن تفضي إلا إلى إضفاء الشرعية على الانقلاب .ومن النتائج التي يمكننا الحديث عنها فيما يجري في اليمن حاليا أن الحوثيين نجحوا في توسعهم من خلال إقناع عدة أطراف أنهم فرصة لكل واحد منهم في نفس الوقت للتخلص من خصومه فمثلا يمكن لصالح أن ينتقم من الذين أطاحوا به وانشقوا عنه ويمكن لإيران أن تزيد من حصار خصمها السعودية وكذلك للسعودية في التضييق على القوى الجديدة التي قد تهددها.تعتبر جماعة الحوثي الأقوى حاليا في اليمن مع عدم قدرتها على الحسم السياسي لذا فهي تحاول الوصول إلى صيغ سياسية تحصد من خلالها ثمار نجاحاتها العسكرية ولو كان ذلك من خلال فرض رؤيتها على الجميع فهي تتحدث بلغة المسيطر على الأرض وقد بدا هذا واضحا في مهلة الثلاثة أيام التي حددتها للقوى السياسية للخروج بحل يسد الفراغ السياسي ملوحة بخيارات ثورية. نجحت في إعلانها وهذا قد يكون مؤثرا في اشتعال الخلاف مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي يريد جزءا من الكعكة إن لم يكن النصيب الأكبر.إذا نجحت جماعة الحوثي في فرض سيطرتها على اليمن أو معظمه فإن هذا سيعزز من أسهم إيران في المنطقة والتي كان لها دور في التخطيط السياسي والعسكري لجماعة الحوثي وهذا من شأنه أيضا أن يزيد من تراجع عناصر القوة السعودية.يعتقد أن السعودية قد غضت النظر عن صعود محدود للحوثيين في السابق لكنها لم تكن تتوقع حجم تمددهم ووصولهم إلى فرض رؤيتهم على الساحة اليمنية. وربما تشهد الأيام القادمة إعادة للعلاقات مع اللقاء المشترك الذي يتفق مع الرياض في تسمية ما قام به الحوثيون على أنه انقلاب. هناك حالة من انعدام الثقة بين الأطراف في اليمن يزيد من جذوتها دخول المصالح الإقليمية المختلفة كما أن هناك قضايا معقدة مرتبطة بالحوثيين وملف انفصال الجنوب وتقسيم الأقاليم والقاعدة والطبيعة القبلية السائدة في اليمن. ويهيئ الوضع الحالي فرصا أكبر لانفصال الجنوب أو لحدوث ثورة قد تحدث فيها مواجهات دموية مما يجعل انسحاب الحوثيين من صنعاء صعبا وهذا يجعل الوضع في اليمن يبدو أكثر ضبابية بشكل وكأنه يسير إلى المجهول.ختاما يبقى اليمن جزءا من صراع الإرادات القائم في المنطقة بين القوى الثورية والقوى المضادة داخلية أو خارجية وتبقى أيضا الساحة مهيأة للمفاجآت في ظل هشاشة الوضع الإقليمي وتزايد فاعلية الفاعلين غير الدوليين وهو ما ينبئ للأسف بفوضى وعدم استقرار في الفترة القادمة ما لم يتم إعادة قراءة الأمور واعتماد الآليات المناسبة.