11 سبتمبر 2025
تسجيللذا استحضر الكاتب شخصية (حنون) والاسم له أكثر من دلالة، حنون في دار الآخرة ومنكر ونكير يحاسبانه وهو في تلك الحالة يستحضر واقع الربيع العربي عبر استحضار سيرة (بو عزيزي) ذلك التونسي الذي أشعل النار في الجسد فأشعل فتيل الثورة في تونس الخضراء. ولقد وفق المخرج في تجسيد معاناة الإنسان العربي عبر العربانه. حيث يعيش في بؤس وشقاء مع أن نهرين يغذيان وطنه (دجله والفرات) بجانب الغاز والنفط ولكن المخرج كان ذكياً وهو يطرح أكثر صور البؤس عبر هذه الأسرة ومعاناته وان اتخذ من الآخرة محوراً للأحداث، للعربة الخشبية دلالات عدة، وكان بحق عنصراً مكملاً لأداء الفنان عزيز خيون، في كل أجزاء العمل، عربانه مع هذا عرض تصادمي وإن غلف في أجزائه بالمباشرة. ولكن لم تكن مباشرة فجة, بل عميقة الدلالات. لا أدري لماذا تذكرت برخت ورائعته الأم شجاعة وويلات الحرب والدمار، ومع التشابه في تجسيد ويلات الحرب. فإن الأم شجاعة الأكثر تأثيراً على النفس مع أن المنهج البرختي لا يطرح هذا الإطار كجزء من اللعبة الدرامية. أعود فأقول إن عربانه – العراقي – كانت صرخة احتجاج على واقع مأساوي يعيشه المواطن العربي، سواء كان في العراق، سوريا، ليبيا، مصر، تونس أو غيرها من المدن العربية المضمخة برائحة التاريخ والحضارة. عرض جميل والأجمل لو تخلص من المباشرة. ولكن كل شيخ وله طريقته، واعتقد أن الهدف طرح معاناة الإنسان العربي في بغداد الرشيد. لعل أحدهم يصحو من غفلته، فلا يفجر ذاته ويقتل الأبرياء. نعم المباشرة والوعظ قد همشا جماليات العرض. ولكن ما يشفع للعرض اختيار هذه الكوكبة من المؤدين وعلى رأسهم فارس المسرح عزيز خيون. 80 درجة (لبنان): هذا العرض أقرب إلى الأعمال النفسية حيث استبعدت الشخصيات من الإطار التقليدي والمتعارف عليه إلى عالم الحلم. وأكثر ما في العرض الأداء المتناغم من فريق العمل، ذلك أن الموضوع يطرح نماذج لشخصيات تتصرف بشكل يثير الاستغراب، جنرال متقاعد وزوجته وأخته. وكيف يمارسون حياتهم في ظل ظروفهم (الشيخوخة، التقاعد.... إلخ) وهل للحياة أي معنى؟ إنهم يعيشون في إطار من العبث. عرض وإن طرح إشكالية حقيقية. إلاّ أن هذا الإطار من المسرح المرتبط بطرح بالمواضيع النفسية قد بدت غريبة على بعض المتلقين، هل ما زلنا تحت تأثير المواضيع الواقعية؟ مجرد سؤال!! الدرس (تونس): بادئ ذي بدء أريد أن أعرف ما الذي أخذه الكاتب – كاتب النص غازي الزغباني – من يوجين يونسكو؟ ذلك أن هذا العمل قد شاهدته مراراً وتكراراً وأنا طالب أدرك المسرح عبر النشاط الطلابي، كما أن هذا العمل قدم كثيراً في العديد من المهرجانات والموضوع يتلخص بين الأستاذ وطالبة تدرس الدكتوراه، والعلاقة محصورة في طاولة الدرس. هناك بون شاسع بين وجهتي نظرتهما للحياة. في العرض كانت المباراة الحقيقية بين كليهما في الأداء (نعمان حمده وسيرين بالهادي) وهذا العرض ضمن ثلاثة عروض تونسية أخرى في المهرجان (سيبني نحلم – وعرض ريتشارد ولقد وفق المخرج في أن اتخذ من طاولة الدرس مجالاً للأداء التمثيلي بين عنصرين، كلاهما يملك الحضور والتميز، وتميز الممثل – الأستاذ بقدرة على الإيحاء بأنه يعاني خللاً نفسياً، ذلك أن التلميذة استطاعت أن تكون ذات استقلالية في التعامل مع تحصيلها، وهذا ما يجعل فكرة الأستاذ يتجه إلى الخلاص منها، ولا تكون هذه المطالبة الوحيدة التي تدفع حياتها ثمناً لرغبات الأستاذ المكبوتة، ولكن نكتشف أن هناك العديد من الضحايا، عرض ارتكن إلى النص العالمي، ومع أن العرض قد خلق حالة جمالية عبر الأداء المتميز، إلاّ أن اللهجات وعبر كل العروض قد خلقت فجوة لدى العديد من عشاق المسرح! دومينو – الإمارات: كما في معظم الدول الخليجية مسرحيون شباب يقطعون بأحلامهم آلاف الأميال، كذلك في دولة الإمارات هناك جيل جديد يحمل على عاتقه أمانة المسرح. جيل يبشر بعطاء آخر. جيل له أفكاره ورؤيته. ولعل أبرز الأسماء مروان ابن الصديق الفنان عبدالله صالح، وهذا ما ينطبق مثلاً على أبناء قطر مثل أحمد مفتاح، فيصل رشيد، فهد الباكر، وغيرهم، ونصار النصار والبلوشي في الكويت، ومخرج العرض البحريني عندما صمت عبدالله الحكواتي – حسين عبد علي، في عرض دومينو كان التساؤل كيف استطاع أن يحرك هذا الموهوب كل هذا العدد من المؤدين وقد قارب عددهم على (30) عنصراً؟ كان العرض يعتمد على الرؤية البصرية والتشكيلات المختلفة في الفراغ المسرحي، وكان للرقص دوره الأساسي في إيصال فكرة الدومينو إلى المتلقي، عبر صندوق الدومينو. هذا العرض بحق اعتمد على الرؤية السمعية والبصرية، ومن ثم لعبة الجسد، والحقيقة أن هذا الإطار من اللعبة المسرحية شبه مغيب عن خشبات المسرح، ذلك أن الجمهور مازال مرتبطاً بالإطار الكلاسيكي والواقعي، ولكن هذا لا يعني أن المتلقي مغيب بسبب عدم الوعي بماهية المسرح الراقص والاستعراضي. الأمر مختلف. إذ لابد أن يكون الأمر تدريجياً ذلك أن للحوار وتكاملية بقية العناصر دورا مهما في إيصال المضمون إلى المتلقي. نعم هذا نوع من المسرح له عشاقه. ولكن. محال مثل هذه العروض المهرجانات، لقد قاسى المخرج كثيراً ولا شك وهو يمارس تمارينه حتى توصل إلى هذا الشكل الانسيابي، والجميل وخلق هذا الإطار الجمالي، نعم دومينو لعبة كما بدأ العرض عندما قال أحدهم – هنا نبدأ اللعبة – وعندها بدأت اللعبة. المخرج في محاولة منذ الخروج بالعرض من الإطار التقليدي اعتمد على الموسيقى والإضاءة والكيروغرافيا. كان بطل العرض في العديد من المشاهد قدرة الإضاءة على خلق لوحات جمالية. واعتقد أن هذا العرض ذو ارتباط عضوي بقدرة المجموعة على خلق مشهدية جميلة، وقدرة المجموعة على التشكيل في الفراغ، ولكن هل وصل هذا العرض إلى كل المشاهدين. سؤال ما برحت أطرحه على ذاتي، فقد غلب الشكل على المضمون وذلك عبر سيطرة الاستعراضات على الفكرة إجمالاً. نعم هناك رؤية بصرية، وهناك طاقات خلاقة عبر التعبير الجسدي ولكن المخرج قد تناسى أن زيادة الجرعة لا تفسح المجال للإبداع. نعم ابننا العزيز مروان قد اجتهد ولكل مجتهد نصيب، ولكن السؤال أين النص، وأين ما قدمه طلال محمود، بحثت كثيراً مثل غيري واكتشفت أن طغيان عنصر على عنصر آخر في المسرح يهمش دور بقية العناصر، وجمالية المسرح في تكاملية عناصره. ابني مروان: لا تنس أن المسرح: نص، أداء، رؤية إخراجية، موسيقى، إضاءة، مؤثرات ديكور وسيطرة الرقص والاستعراض تفقد جمالية العرض. ذلك أن سيطرة عنصر على بقية العناصر تخلق فجوة كبيرة. ومع هذا ومع خروج العديد من المشاهدين، إلاّ أن التجربة ناجحة وإن كنت أؤمن بالحديث الشريف "خاطب الناس على قدر عقولهم" وإن كنت قد أزمعت على خوض غمار تجارب أخرى. فلابد من الانطلاق خطوة إثر خطوة. "يتبع"