13 سبتمبر 2025

تسجيل

فقه التأصيل والتنزيل

12 فبراير 2014

التأصيل إحكام فهم النص بعقل واع بالأصول الشرعية والعقلية والعلمية معا! والتنزيل أن نسقط بهذا التأصيل على الواقع لنغيره ونصلحه ونلحقه بهذا المستوى الرفيع من المكارم الأخلاقية والعقيدة الصافية والشريعة العادلة.واليوم وما أدراك ما اليوم! يندر أن تجد من يملك ناصية فقه التأصيل، فإن مَلَكُه فيظل بعض هؤلاء يعيشون في عالم التأصيل دون التنزيل بهذه الأدلة النقلية والعقلية على أرض الواقع ليظل الوضع مثل سحاب كثيف يتحرك بشكل عنيف في سماء أرض جرداء صحراء، لا كلأ ولا ماء وتجأر كل الأحياء إلى السماء أن تحظى بشربة ماء فهل في هذا السحاب الكثيف فوقها من غناء؟!ومثل هذا الجائع الذي يرى ألوان الطعام شهية على الجانب الآخر من النهر وهو لا يحسن السباحة لكي يعبر إليها، ولا يأتي أحد بالطعام إليه، مثل"عزومة المراكبية" وهم أصحاب المراكب في عرض البحر أو النهر يأكلون ما لذ وطاب فإذا مروا على الشاطئ قالوا: "تفضل لتأكل معنا".هذه العزلة بين التأصيل إذا افترضنا دقته وصحته، والتنزيل على واقع مر يصدق فيه قول الله تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم:41)، والفساد اليوم في البر والبحر والجو، لكن بعض شيوخنا آثر أن يعيش في فقه التأصيل دون التنزيل، وأن يذكر النصوص في خطب الجمعة أو الدروس أو الكتب والمقالات والأبحاث والدراسات دون أن ينزل إلى الواقع ليحقق رسالة الله من خلق الإنسان وإنزال القرآن، حيث قال تعالى: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (الإسراء: 9-10) وقد فهمت الجن أن القرآن هداية وليس ثقافة، كما قال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إلى أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالوا إنا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا" (الجن:1-2)، والهداية أن نجمع بين التأصيل الصحيح والتنزيل الدقيق على أرض الواقع لإصلاحه وفق النموذج الرباني، وهو يحتاج إلى علم يزيل الشبهات ومجاهدة تعالج الشهوات، وإذا بقي التأصيل ثقافة، وتحولت العبادات إلى عادات والعادات الرديئة إلى أعراف وقوانين، فسيبقى القرآن والسنة في الجوامع دون الشوارع، وفي الكليات الشرعية دون المؤسسات السياسية والشركات التجارية والعلاقات الدولية، وهذا من أكبر أمراض أمتنا الإسلامية في أيامنا الحالية!يا قومي ليس مسوغًا للجائع أن يأكل طعاما قذرًا، ولا للعطشان أن يشرب ماء نجسًا والنهر العذب منه قريب والطيبات حوله في كل مكان، كما لا يجوز أن تعرض النصوص في سماء المنابر بأعلى الحناجر دون أن تجيب أسئلة كل حائر.إن لم نجد الجمع بين التأصيل والتنزيل فالصمت أولى من التضليل.