18 سبتمبر 2025
تسجيلتستغرق المشاوير في العاصمة السعودية الرياض وقتا أطول لتباعد مناحي المدينة واتساعها وزحمة الطرق المشغولة أيضا بمشاريع التطوير وإضافة المزيد من الكباري لذلك كان وقت الرحلة ما بين الفندق المخصص لسكن ضيوف الجنادرية وموقع القرية التراثية طويلاً رغم أن الحرس الوطني وهو الجهة المنظمة للمهرجان قد خصص موكباً رسمياً ومسارات خاصة لتنقل الضيوف وهم أكثر من 300 عالم وأديب ومثقف تجمعوا من كل أنحاء العالم للمشاركة في فعاليات المهرجان وحضورها. عموماً أصحاب الفكر والرأي يعرفون كيفية الاستفادة من أوقات الانتظار غالباً لذلك تتحول الجولات إلى حوارات وندوات مصغرة تسيطر عليها أحداث الموسم والقضايا الكبرى فيه لذلك كانت أحداث القصف العشوائي والمكثف لمدينة حمص السورية من قبل جيش النظام هناك محل الحديث والحوارات بين الضيوف وكذلك تبعات الفيتو الروسي الصيني المزدوج الذي وصفه خادم الحرمين الشريفين في حفل استقباله لضيوف المهرجان بأنه محبط ويشير الملك عبد الله إلى أن الأيام الحالية مخيفة. أما ما كان يغلب على حوارات الضيوف فهي تغريدة حمزة كشغري المشئومة على تويتر والتي أطلق لنفسه فيها حجماً غير مسبوق محلياً من البذاءة والمساس بالذات الإلهية العظيمة والسب العلني لسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث لم تأت هذه المهاترة من سلمان رشدي أو من الرسام الدنماركي كورت فيستر جارد. بل جاءت هذه المرة من الداخل. فرغم الغضبة الكبرى في العالم الإسلامي والسعودية خاصة تجاه كشغري سواء من المؤسسة الرسمية حيث صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإلقاء القبض عليه والذي تم بالفعل اعتقاله في مطار العاصمة الماليزية كوالالمبور صباح الأربعاء الماضي بعد فراره من المملكة وقبل ذلك صدور قرار وزير الإعلام السعودي بمنعه من الكتابة في أي مطبوعة سعودية وتنادي بعض الجماعات والأشخاص بالنيل المباشر منه وتحديد موقع سكنه على خرائط المواقع الإلكترونية ومع أنه سيقدم للمحاكمة لينال الجزاء المناسب والرادع جراء ما اقترفت يداه وشط به فكره إلا أن الحادثة ترسم ملامح جديدة وغير مسبوغة لجانب من الفكر المحلي الذي تساعد وسائل الاتصال الحديثة في كشفه وتعرية بعض شذوذه. وكما يقال في المثل الشعبي السائد " إذا كانت علتك من بطنك فمن أين تأتيك العافية؟" فالعلة داخلية هذه المرة وعلنية أيضا في فضاء تويتر الواسع وقد لا تمثل سوى قمة جبل الجليد فربما هناك من يحمل نفس فكر كشغري ويعبر بنفس مفردات البذاءة والسب مستغلين فضاء الحرية غير المحدود في شبكات التواصل لذلك لن تكون محاكمة كشغري أو حتى إنزال العقوبة المستحقة عليه سوى عنوان لملحمة طويلة ومتعددة الفصول والأجزاء. فالمهمة تجاه مثل تغريدة الشؤم تلك واسعة لا تعالجها المحاكمة فحسب بل نحتاج إلى حملات وممارسات جادة لتحصين دواخلنا عموماً في البيوت والمدارس ووسائل الإعلام والاتصال فنحن مجتمع محافظ يلتزم بمحددات عقيدته ويحترم رموزها ونحتاج إلى تعديلات متطورة ومستمرة في أساليب ترسيخ عقيدتنا بين الناشئة وعموم الأجيال فيصير أن تتشاذ الأفكار وتتداخل معها مسوغات الفهم الخاطئ والاستقاء من منابع أخرى دخيلة ونحن في الغالب لا نملك من مستلزمات التحصين سوى ما تيسر من الأدوات البدائية وغير المتفاعلة مع النمطيات الجديدة في عالم اليوم وتكنولوجياته. أجدها فرصة هنا لأعلن عن حاجتنا إلى استنتاج مجددات فاعلة لترسيخ الفهم العام وإلى صياغة عصرية للمناهج خاصة في جوانب الإيمانيات والعقائد التي تحتاج إلى مواكبة لشرح مفهومها وأسسها بعيداً عن التلقين والحفظ وعدم الاعتماد فقط على التواترات والتناقلات الجافة. فبيننا أجيال تلازمها تحولات وتلفها استهدافات وسحب متلونة ومع إيماننا العميق بسلامة نهجنا وصلاحيته لكل العصور تبقى المؤثرات مكثفة من حولنا وحتى لا يخرج علينا كشغري آخر بتغريدات جديدة فنحن نحتاج إلى سبل تحصين جديدة وفاعلة. عموماً ظلت النقاشات حول أحداث الوسط مستمرة بين عموم ضيوف الجنادرية 27 والذي نعيش الآن فعالياته وندواته المتعددة أملاً في التأثير في مجمل فهمنا ومحيطنا. [email protected]