11 سبتمبر 2025

تسجيل

صحافة المواطن لمواجهة التملق والتضليل

12 يناير 2019

ظهرت الصحافة المدنية أو صحافة المواطن في منتصف العقد الأخير من القرن العشرين في الولايات المتحدة كبديل للصحافة المسيطرة والمنتشرة في الساحة الإعلامية. وجاءت هذه الممارسة الصحفية الجديدة كبديل للصحافة التقليدية المرتبطة بالنظام القائم وبالنخب وبالمصالح الاقتصادية والسياسية وبالقيم المزيفة والمضللة والمعروفة بالموضوعية والحياد والحرية. وكبديل لصحافة التسطيح والتهميش والاستهلاك والاغتراب وصحافة التبرير والتشريع والتنظير للنظام والوضع الراهن. تقوم صحافة المجتمع المدني على مبدأ الوصول للمواطنين والاستماع إليهم وإعطائهم الفرصة للاستماع والتحدث لبعضهم البعض ولمناقشة انشغالاتهم ومشكلاتهم وطرح الحلول والبدائل وبذلك فهُم طرف في العملية الإعلامية ومشاركون فيها، وليسوا مستقبلين فقط، بل مستقبلون وفاعلون. يرى منظرو صحافة المجتمع المدني أنها صحافة جادة مسئولة وملتزمة، وطريقة جديدة تهدف إلى تحديد القضايا والمشكلات الرئيسية التي تهم الرأي العام والسواد الأعظم من الشعب. وهي بذلك تهدف إلى خلق حوار ونقاش فعال ومجد ومثمر حول أهم قضايا المجتمع، والسعي لتشخيص الأسباب وطرح الحلول والبدائل لمعالجتها، فالهدف هو ليس تغطية الأحداث والقضايا والجرائم والانسحاب بعد ذلك، بل الذهاب الى أبعد من ذلك بكثير، أي طرح هذه الأحداث والقضايا للنقاش والحوار والدراسة والتحليل، ومن ثم إيجاد الحلول العملية والناجعة لمعالجتها واستئصالها. فالصحافة المدنية هي نوع من الإعلام المسئول والهادف الذي يعنى بإعادة تنظيم الأولويات وتحديد العلاقة النوعية التي تربط المجتمع المدني بالقوى الفاعلة في المجتمع وانتهاج طريقة جديدة في طرح المشكلات والأمراض الاجتماعية المختلفة كالفساد والرشوة والفقر والجهل والأمية والجريمة ومختلف السلوكيات المنحرفة بهدف مناقشتها ودراستها وتحليلها من قبل الجميع والتفكير في استئصال أسبابها للقضاء عليها. فصحافة المجتمع المدني هي مقاربة جديدة لمفهوم جديد للصحف والصحفيين باعتبارهم فاعلين وليسوا متفرجين على ما يحدث في المجتمع، وهم بذلك مساهمون في الحياة العامة وفي المجتمع المدني من أجل تغيير مجريات الأمور في المجتمع وليس تقديمها للقراء والانسحاب بعد ذلك. وهذا يعني من جهة أخرى، إدماج وإشراك المواطنين في العملية الإعلامية من خلال اختيار المواضيع وطرحها والمشاركة في مناقشتها واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. الجميع مسئول في الصحافة المدنية، والجميع مطالب بالقيام بدور إيجابي وفعال يقوم على المشاركة والنقاش والحوار وتشخيص الأسباب واقتراح الحلول سواء تعلق الأمر بالصحفي أو بالمؤسسة الإعلامية أو بالمواطن. صحافة المواطن أو الصحافة المدنية هي طريقة جديدة لمساعدة الجمهور على التغلب على حالات الضعف والتهميش والاغتراب والشعور بالإقصاء وعدم القدرة على المشاركة في الحياة العامة. فالصحافة المدنية تهدف إلى تدعيم وتعزيز مفهوم المواطنة ونشر ثقافة النقاش والحوار ومساعدة عامة الشعب على الاندماج والانخراط في طرح مشكلاتهم وهمومهم والوصول إلى الحلول العملية لاحتوائها واستئصالها والقضاء عليها. تهدف الصحافة المدنية من وراء تغطية مشكلات وآفات المجتمع مثل الفساد، والجريمة والعنف والسرقة والنشل...الخ إلى الوعي بهذه المشكلات من قبل المواطنين وحثهم على المشاركة في مكافحة هذه الآفات والأمراض الاجتماعية كل من موقعه وحسب إمكانياته. فطرح المشكلة الاجتماعية غير كاف، وإنما يجب الذهاب إلى ما وراء استعراض المشكلة وهو البحث عن جذورها وأسبابها وبذلك توصيف الإجراءات العملية اللازمة بالتنسيق مع الجهات المعنية سواء الرسمية منها أو غير الرسمية لحل هذه المشكلات واستئصالها والقضاء عليها. فدور الصحافة المدنية لا يقتصر فقط على تغطية الأحداث وتقديمها للقراء وطرح المشكلات ورصدها، بل يتعدى ذلك بحيث يهدف إلى المساهمة الملتزمة والمسئولة والجادة والفاعلة للوصول إلى الحلول العملية من خلال فتح باب النقاش العام والواسع أمام المجتمع المدني ليقوم بدوره في تحديد المشكلات وأسبابها وخلفياتها وسبل حلها واستئصالها. فصحافة المجتمع المدني هي حلقة وصل بين المواطنين والسلطة، وهي الوسيط الإعلامي للمجتمع المدني الذي يعتبر الفضاء العام للشرائح الاجتماعية والمكونات المختلفة للمجتمع. هذه المكونات من خلال صحافة المجتمع المدني تعبر عن همومها ومشاكلها وتبدي آراءها حول ما يجري في المجتمع، وهذا يعني أن المواطن يتمتع بدرجة عالية من الوعي الاجتماعي والمسئولية الاجتماعية. فمن خلال المجتمع المدني والصحافة المدنية يطرح المواطنون مشاكلهم ويناقشونها ويضعون الحلول الإجرائية لحلها ومعالجتها. الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ربط المجتمع المدني بالقوى الفاعلة في المجتمع وصناع القرار والمؤسسات والتنظيمات والهيئات المختلفة حتى تقوم كل جهة وكل طرف بمسئوليته ودوره في التكفل ومعالجة القضايا الاجتماعية المختلفة كل حسب اختصاصاته وصلاحيته. ومن خلال صحافة المجتمع المدني يشارك المواطن في عملية التنمية الشاملة وفي المشاركة السياسية وصناعة القرار وهكذا يتكفل الفرد في المجتمع بواجبه الاتصالي والإعلامي لإيصال رأيه وفكرته ولاستقبال كذلك المعلومة التي تهمه وتساعده في صناعة القرار السليم. تتكفل الصحافة المدنية وكذلك المجتمع المدني في الوعي بالقضايا المهمة والمصيرية في المجتمع أولا، وطرحها للنقاش والحوار، ومن ثم إشراك كل الجهات المعنية في المساهمة في اقتراح الحلول وتنفيذها من خلال القوى الفاعلة في المجتمع والسلطة كذلك. تتحدد أدوار القائمين بالاتصال في صحافة المجتمع المدني حسب منظري هذا النوع الجديد من الصحافة على النحو التالي: الدور الملتزم شخصيًا بصحافة المجتمع المدني وينبني هذا الدور على الواجب والالتزام الشخصي من قبل الصحفيين بحل مشكلات المجتمع المحلية. الدور القائم على الثقة بالمجتمع المحلي، وهو يعني إيمان الصحفيين بقدرة المجتمع المحلي على حل مشكلاته بنفسه. الدور القائم على الالتزام المؤسسي وهو دور قائم على الإيمان بضرورة قيام الصحافة بمسئولياتها إزاء حل مشكلات المجتمع المحلي. تتطلب الديمقراطية في المجتمع صحافة ملتزمة وواعية تقوم بمسئوليتها الاجتماعية على أحسن وجه، ومواطن مسئول وواع منخرط في مجتمع مدني يناقش مشاكله وهمومه وقضاياه بطريقة ديمقراطية صريحة وواعية ومسئولة من أجل مشاركة الجميع في الحوار والنقاش واقتراح الحلول والإجراءات العملية لمعالجة المشاكل واحتوائها واستئصالها. التحدي إذن كبير جدا في العالم العربي، خاصة في عصر العولمة والثورة المعلوماتية وصناعة المعرفة وانهيار الحدود والحواجز. فالمواطن يجب أن ينتقل ويتحول من مجرد مستقبل ومستهلك إلى مشارك وفاعل واع ومسئول عن سلوكه الاتصالي والإعلامي. في ظل الفضاء الإعلامي الملوث الذي تعيشه معظم المجتمعات العربية، وفي ظل ظاهرة التبعية والتقليد والانجراف يتحتم على المواطن والمؤسسة الإعلامية والمجتمع المدني –إن وُجد- في الوطن العربي التفكير في البديل، في صحافة مسئولة وملتزمة وواعية تعنى بقضايا السواد الأعظم من الشعب- القضايا الحساسة والجادة والمصيرية- لطرحها واستعراضها ومناقشتها من أجل إشراك الجميع للمساهمة واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. فهل سيكون الربيع العربي هو الانطلاقة الجادة لصحافة المجتمع المدني في العالم العربي؟ وهل ما بدأته الشبكات الاجتماعية في عملية التغيير والإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي سيؤدي إلى منظومة إعلامية جديدة بقيم ومبادئ جديدة لخدمة كلمة الحق ومصلحة الشعوب المغلوب على أمرها؟.