13 سبتمبر 2025
تسجيليطغى على المشهد العراقي منذ الأسبوع ما قبل الماضي التظاهرات المناهضة للحكومة غرباً ووسطاً. السجال لم يعد يقتصر على الشارع، وانما انتقل إلى المجلس النيابي. فحرب الصلاحيات انتقلت إلى أروقة المؤسسات الرسمية، ما بين البرلمان الذي صوت على استجواب رئيس الحكومة نوري المالكي وتحديد فترة ولايته، وبين دعوة الأخير لحلّ البرلمان في محاولة لقطع الطريق على خصومه. ومع استمرار الاعتصامات، وتمددها إلى مناطق سنية أخرى، وإبداء بعض المرجعيات السياسية الشيعية مثل الصدريين رغبتهم بمشاركة المعتصمين مطالبهم إذا ما نأى المعتصمون بأنفسهم عن الشعارات البعثية ما هو إلا دليل على أن الاعتصامات الحالية ليست طائفية وليس لها أجندات خارجية، خلافاً لما قاله النائب علي الشلاه الناطق باسم دولة القانون أن مطالب المتظاهرين سنّها الحزب الإسلامي والنجيفي تماشيا مع أردوغان والإخوان. وليس أدل على ذلك من إعلان المرجع الديني الشيعي الشيخ بشير النجفي دعمه لمطالب المتظاهرين في المحافظات التي تشهد التظاهرات إذا ما قورن بتصريح رئيس مؤتمر الصحوات أحمد أبو ريشة: "الاحتجاجات ليست ضد الشيعة. فهم إخواننا. لكن هي ضد حكومة محسوبة على الشيعة ". كما لا يبدو أنها حصيلة فورة غضب أو حالة طارئة يعيشها أهالي الأنبار الذين انتفضوا عقب اعتقال أفراد من حماية وزير المالية رافع العيساوي الذي ينتمي للمحافظة المذكورة، بقدر ما هي احتقانات مزمنة لسياسات الحكومة، وهذا ما بدا في دعوة المرجع السني الشيخ عبد الملك السعدي الذي بعث برسالة إلى المالكي دعاه فيها إلى تغيير سياساته والتحدث "بما يلمّ الشمل ويجمع العراقيين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم فإن لم تتمكن من استعمال أساليب الجمع فاترك الأمر لغيرك من العراقيين". الأمر الآن بدأ يتخطى المناكفات السياسية التي كانت تدور بين الكتل السياسية المنقسمة بين ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وخصومه من القائمة العراقية التي يرأسها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي منذ العام 2006 وحتى اليوم. ولعل الخلل الذي وقعت به القيادات السياسية للسنة في العراق التي تنافست فيها بينها على شغل منصب وزاري هنا وهناك كان أحد الأسباب التي دعت الناخبين إلى عدم الثقة بهم، والاستعاضة عنهم باللجوء إلى الشارع، ورفع مطالبهم التي بلغت ثلاثة عشر بنداً إلى مجلس النواب الذي انعقد في حالة استثنائية ليعالج إلى جانب مطالب المتظاهرين قضايا من بينها تحديد فترة الولايات الثلاث. لعبة القط والفأرة التي طبعت العلاقة بين الحكومة والمعارضة طيلة السنوات الماضية لم تعد تفلح على ما يبدو، كما لم تعد قادرة على إدارة الحياة السياسية في العراق. ومع الاتهامات المتكررة للحكومة بأنها حكومة أزمات، فليس من الصواب والحنكة السياسية التهديد الحكومي بفض الاعتصامات بالقوة، أو إلقاء اللوم على جهات خارجية بحجة أنها تستنسخ النموذج السوري في العراق، لأنها تعلم أن المالكي جزء من محور يمتد من إيران ليصل إلى حزب الله اللبناني مرورا بسوريا، وأن إسقاط النظام السوري بالقوة العسكرية لم يعد أمراً مؤكداً ما لم يرحل المالكي عن رئاسة الوزراء وهو الذي يتهيأ لولاية ثالثة يقبض بها على كامل المؤسسات الأمنية والعسكرية. الحل الذي يحول دون تمزق العراق، ويجهض تنبؤ المفكر اليهودي البريطاني برنارد لويس صاحب نظرية "العراق دولة مصطنعة" يكون بالاعتراف بحقوق المعتصمين ومناقشتها داخل البرلمان والحكومة بما يحفظ العراق ووحدته ويقلل من غلواء الطائفية والمذهبية بدل من إلقاء التبعات على الخارج. واليقين بأن العدل أساس الملك، وإذا كان الشعار المرفوع أيام صدام حسين: "نحن نحكم وانتم تلطمون"، فإنه لا يبني البلد إعادة تكريس القاعدة بعد أن أصبح السنة في المعارضة والشيعة في الحكم. الحريص على عدم عودة العراق إلى الاقتتال الطائفي أو الانزلاق إلى مخططات التقسيم عليه إشعار الأقليات الدينية والعرقية أنها جزء ومكون أساس من مكونات الحكم في العراق الجديد وليست رعايا لأغلبية حاكمة، إذ أن " العراق يمر بأزمة خطيرة وتكاد العلاقة بين مكوناته أن تتجه نحو التفكك والتصدع" على حد تعبير رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني.