04 نوفمبر 2025
تسجيلدخلت المفاوضات بين الدولة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجالان مرحلة جديدة في السعي لمحاولة حل المشكلة الكردية في تركيا. أوجالان المعتقل منذ العام 1999 في جزيرة ايمرالي في بحر مرمرة بات المخاطب الأساس للحكومة التركية بعدما كانت تعتبره رأس "المنظمة الإرهابية" وهو المصطلح الذي تطلقه الدولة التركية على حزب العمال الكردستاني. المفاوضات التي باشرت بها الحكومة عبر رئيس الاستخبارات حاقان فيدان ليست جديدة إذ أن فيدان نفسه باشر بمثل هذه المهمة قبل ثلاث سنوات في مدينة اوسلو النروجية مع مسؤول كبير لحزب العمال الكردستاني في أوروبا من دون أية نتيجة إيجابية. لا أحد يعرف لماذا عاودت الحكومة محاولة التواصل مع أوجالان هذه المرة ولا المغزى من التوقيت. كذلك لا يمكن التنبوء بنسبة احتمالات نجاح المفاوضات هذه المرة. الجديد هذه المرة أن الحكومة أرادت من حزب السلام والديمقراطية الكردي الممثل في البرلمان بأكثر من ثلاثين نائبا أن يكون جزءا من المفاوضات بحيث تشمل أكبر شريحة من الكتلة الكردية في تركيا. وبالفعل فقد ذهب نائبان كرديان احدهما النائب العتيق وصديق أوجالان القديم أحمد تورك إلى زنزانة أوجالان واجتمعا به وكان بحثُ في المفاوضات. وقد خرج تورك بانطباع إيجابي مختلف عن السابق أساسه أن أوجالان يثق هذه المرة بجدية الحكومة التركية للتوصل إلى حل للمشكلة الكردية. واذ يتوقع أن يعاود تورك لقاء أوجالان مرة ثانية وربما ثالثة كما معاودة فيدان للقاء أوجالان، فإن ما تسرب من مقترحات لحل المشكلة يتضمن منح الأكراد العديد من المطالب الأساسية التي يطالبون بها ومنها الاعتراف بالهوية الكردية في مشروع الدستور الجديد والتعليم باللغة الأم في المناطق الكردية ومنح المجالس المحلية في المناطق الكردية صلاحيات أوسع بحيث تقترب من حالة الحكم الذاتي فضلا عن إصدار عفو عام عن المعتقلين المتهمين بتأييد القضية في تركيا والذين يعدّون بالآلاف وهم من المجتمع المدني وليس من المسلحين. في مقابل هذه العروض الحكومية فإن الدولة التركية تريد من حزب العمال الكردستاني وقف العنف والتخلي عن السلاح ومغادرة عناصره المسلحة الأراضي التركية إلى الخارج مثل العراق وإيران وسوريا! لا تزال المفاوضات بين الطرفين في مراحلها الأولى وإن كانت استمرارا لمفاوضات أوسلو السابقة. ورغم التفاؤل الذي يطبع هذه المرحلة غير أن كما كبيرا من التعقيدات الحساسيات وانعدام الثقة تجعل من الصعب إطلاق التفاؤل على عواهنه. إذ أن موقف الحكومة المفاجئ في الانفتاح على المسألة الكردية جاء في سياقات تعارض التفاؤل ومفاجئة. إذ أن رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان صرح قبل أيام قليلة فقط من الإعلان عن اللقاء مع أوجالان أن حزب السلام والديمقراطية مجرد حفنة من الإرهابيين تابعة ل"المنظمة الإرهابية". فما الذي جرى ليغير أردوغان رأيه في قضية مزمنة ومعقدة؟ثم إن أردوغان صرّح ومن إفريقيا وبعد بدء المفاوضات أنه لن يكون هناك عفو عام ولا تحسين لشروط اعتقال أوجالان كما أن المعركة العسكرية ضد الإرهاب وعمليات الجيش ضد حزب العمال الكردستاني لن تتوقف في موازاة استمرار المفاوضات. ومع أن المقترحات الجدية تقترب أكثر من قبل مما يريده الأكراد غير أن المشكلة في الصيغة التي ستعتمد في الدستور حول الهوية الكردية ومترتبات ذلك القانونية على مختلف الأصعدة. كذلك لا يعرف مدى قبول الأكراد بصيغة لا ترقى إلى الحكم الذاتي بحيث أن أي ترتيبات لا تلحظ هذا الهدف سوف تفقد الأكراد لاحقا أي أوراق ضغط لتحقيق ذلك. وهنا تبرز عقبة كبرى وهي أن قيادة حزب العمال الكردستاني العسكرية الموجودة في شمال العراق ترفض التخلي عن السلاح،أداة ضغطهم الوحيدة، قبل التوصل إلى اتفاق يلبي التطلعات الكاملة للأكراد. ولا يغيب عن مسرح القضية الكردية في تركيا أنها لم تعد منذ أكثر من ثلاثين عاما صرف محلية بل تداخلت فيها عوامل إقليمية ودولية لا تخص جهة دون أخرى وتتناقض مصالحها ولا يمكن أن يسلك أي حل من دون تذليل عقباتها خصوصا في ظل الوضع المتفجر في المنطقة. ومهما يكن فإن الكرة تبقى في ملعب الدولة التركية التي لم تبرهن طوال عقود أنها تخلت بالفعل عن سياسة إنكار الحقوق الكردية. وما يخشى منه الآن أن تكون مبادرة الحكومة التركية الحالية مجرد مناورة لتحقيق مكاسب سياسية محلية ضيقة تختص بتطلعات أردوغان إلى رئاسة الجمهورية أو برغبة أنقرة تمرير المرحلة الحالية الصعبة من الأزمة السورية بأقل قدر من الخسائر.