20 سبتمبر 2025

تسجيل

الإسلاميون متهمون.. لماذا دائما ؟ وإلى متى؟

12 يناير 2012

الإسلاميون كثيرا ما تعرضوا ولا يزالون لحرب إشاعات تراوحت ما بين الاتهام بالعمالة للأجنبي إلى الاتهام بالإرهاب وما بينهما من الإقصائية والفردية والتخلف والحجرية.. إلى غير ذلك مما ملأ فضاءات كثيرة إعلامية وسياسية وفكرية.. ثم انتهى كل ذلك إلى ما رأينا من التفاف الجماهير حولهم ورميها كل ما قيل ويقال عنهم وراء ظهورها وتحت أرجلها بالأخص من ذلك في تركيا وتونس ومصر عواصم محاربة الإسلاميين لعشرات السنين.. وبعد فوزهم في الانتخابات وتصدرهم التمثيل الرسمي والشعبي اليوم بدأ خصومهم يطرحون عليهم أسئلة من نوع الإحراجي والتوريطي حول قدرتهم على انتشال البلاد من عقابيل عشرات السنوات من الإلحاق بالأجنبي وتراكم التخريب (في ليلة ويوم طبعا)، وما إن كانوا سينقضون الاتفاقات المبرمة مع العدو الصهيوني فيتسببون بحصار لبلدانهم على غرار ما جرى لغزة بعد فوز حماس! وهل سيقيمون الشريعة - الحدود والعقوبات تحديدا - من قطع يد سارق ورجم أو جلد زان.. إلى آخر هذه السلسلة التي تستبطن الإحراج والتوريط وإن بدت أسئلة موضوعية وتحديات جدية.. ثم يفترضون (خصوم الإسلاميين) إجابات سلبية على المقاس الذي يريدون ويبنون على ذلك استخلاصاتهم بأن الإسلاميين انتهازيون ووصوليون وأنهم ما أن يصلوا إلى الحكم حتى يتخلوا عن مواقفهم التاريخية وقناعاتهم التي فازوا على أساسها.. قبل يومين كنت في مداخلة مع بعضهم على إحدى وسائل الإعلام فطرح مسألة اتفاقية كامب ديفد بين مصر والعدو الصهيوني وتساءل عما إذا كان الإخوان المسلمون في مصر – بعد فوزهم – سينقضون الاتفاقية.. وأنهم إما أن يفعلوا فيدخلوا مصر في كذا وكذا، وإما ألا يفعلوا فيكونون قد تخلوا عن مواقفهم.. وطرح أيضا خياران لا ثالث لهما ؛ إما وإما، أو أن عليهم – كمخرج من هذه الثنائية الإلزامية أن يعيدوا النظر في طروحاتهم وأن يصارحوا شعوبهم بأنها غير واقعية ويعترفوا بأنها لمجرد أن تصطدم بالواقع فإنها تتفكك وتنهار ثم رجح في الأخير أن الإسلاميين لا يجرون مراجعات بهذا المعنى وبالتالي فالمتوقع – حسب وجهة نظره - أن يتراجع الإسلاميون عن مواقفهم ولكن من دون مراجعات ولا طنة أو رنة.. وأقول: أولا: هذه القراءة في مواقف ومصداقية وقدرة الإسلاميين على المراجعة غير صحيحة وبالأخص إذا كنا نتكلم عن التيار الأبرز الذي حصد أكبر النجاحات اليوم – الإخوان المسلمون – الذين لم يصرحوا مرة بأنهم سوف ينقضون كل المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات بالتالي فهم ليسو بين ثنائية (إما وإما) هذه.. ولكنهم - فيما أعرف وأتابع - استمروا يقولون إن الاتفاقيات ليست كلها مقبولة ولا كلها مرفوضة، وأنهم لن يبادروا لنقض اتفاقية يؤدي نقضها إلى مغامرات كبيرة تعصف بالاستقرار.. ولكنهم أيضا لم يصرحوا بأن هذه الاتفاقيات مقدسة ولا يجوز أو لا يمكن المساس بها.. أما فيما يتعلق بقدرة الإسلاميين على إجراء المراجعات لمواقفهم وإعادة تصويبها فإن الإسلاميين سبق أن أجروا مراجعات وكتبوا في ذلك كتبا (لمن يقرأ) صارت لكثرتها ورمزية من كتبوها ثقافة إخوانية وإسلامية عامة.. فقد راجعوا موقفهم من التنظيم السري في خمسينيات القرن الماضي، وراجعوا أحداث سوريا والصراع مع نظام حافظ أسد في الثمانينيات، وراجعوا عملية الحسم في غزة 2007.. دون أن يعني ذلك لا في نظرهم ولا في نظر أوليائهم ولا حتى خصومهم أي حرج ولا أي اعتراف بالخطأ الكامل.. بقي أن نقول: إن الإسلاميين وهم يجرون هذه المراجعات لا يصدرون عن فكرة براجماتية ولا عن مجاملة لأحد ولا لتسويق أنفسهم على الرأي العام.. وإنهم منسجمون مع أنفسهم وقناعاتهم ولا يشعرون بالحرج الديني في ذلك ؛ لأن المراجعات لا تطاول العقائد والمنطلقات والثوابت ولكنها تتعلق فقط بالسياسات والتنفيذات والجهود والأفكار البشرية من حول ذلك كله وهم في هذا يلتقون مع كل الناس – أو معظمهم – بالتالي فهم لا يخافون على أكثريتهم إذا ثبتوا عليها.. وهم من ناحية أخرى يرون هذا المنحى الموضوعي تعززه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الموحى إليه من السماء فقد راجعه ربه أكثر من مرة وفي أكثر من مجال.. ففي مجال الدعوة راجعه ربه عز وجل بقوله (عبس وتولى) وقوله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم..) ومجال الحرب راجعه في أسرى بدر بقوله (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) وفي مجال الاستغفار راجعه بقوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وأمثال هذه المراجعات عشرات في الكتاب العظيم.. بالتالي فإن ثقافة الإسلاميين العقائدية المحضة وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يتبعونه لا تعارض هذه المنهجية وهذا التصويب.. ثانيا: لماذا يوضع الإسلاميون أمام ثنائية إما نقض الاتفاقيات والدخول في حروب وانحشارات، وإما الإبقاء عليها والبقاء في أتون العمالة والخيانة؟ أليس لدى الإسلاميين اليوم مواقف متعددة وهوامش عمل ومناورات واسعة؟ لكن ومن حيث الأصل أليست السياسة فن استثمار الممكن والقدرة على صناعة الظروف؟ ولماذا نفترض أنهم لا يحسنون ذلك أو أنه محجور عليهم ومحجوز عنهم؟ أليس من حقهم ويصلح منهم أن يراهنوا على الزمن ويناوروا على التكتيك؟ أليسوا يستطيعون البدء بتقليل جدية تنفيذ الاتفاقيات والتخلي عن بعضها؟ أليسوا يستطيعون التحرك في إلغاء بعض الشروط المجحفة المذلة دون كلها ودون أن يقعوا في ثنائية الإمّا وإما في هذه المرحلة على الأقل؟ ألسنا كنا نقبل من نظام الساقط حسني مبارك أن يكون أقل إخلاصا في التعامل مع العدو، ولو فعل ذلك لكنا رأيناه (قد أتى بما لم يخترعه الأوائل) وكنا التمسنا له المعاذير ؛ فلماذا يقبل منه ما لا يقبل من الإسلاميين؟ ثم لماذا يتوهم البعض أن الإسلاميين من السذاجة والسطحية بحيث يقومون بنقض الاتفاقيات قبل تحقيق اختراقات كثيرة في معضلات كثيرة وترتيبات كثيرة ومهمة وضرورية من حقهم أن يشتغلوا عليها ربما لسنوات من أجل رفع قدرة بلادهم إلى موقف خطير وتحد كبير بهذا القدر؟ ولنأخذ تركيا مثالا على ما نقول والحزب الإسلامي الحاكم فيها يعتبر مقبولا لدى كثيرين من خصوم الإسلاميين: هل وقف حزب العدالة والتنمية الإسلامي في وجه أمريكا ومنعها من استخدام الأراضي التركية لغزو العراق ووقف مواقفه المعروفة من العدو الصهيوني ورجع إلى الذهنية والخلفية العربية والإسلامية واعتقل قادة في الجيش وأحبط الانقلابات عليه.. قبل أم بعد أن حقق إنجازات كثيرة على الصعد الاقتصادية والمجتمعية والديمقراطية والثقافية.. ولماذا لا يكون هذا هو ذات السيناريو الممكن تنفيذه في مصر وغير مصر إذا حكمها الإسلاميون.. ثالثا: لا يخلو التفكير في نظرية (إما وإما) من تخوف وسلبية الإحساس بالهزيمة! ولماذا يظن هؤلاء أن تغلب الأعداء سيبقى دائما وسرمديا، وأن علينا أن نخضع دائما لمزاجه وانفعالاته، وأنه ليس لنا أن نأخذ (أو نلغي) إلا ما يوافق عليه؟ ولماذا نحتقر أنفسنا إلى هذا الحد؟ ألسنا كغيرنا من الأمم التي لها مقاومة وفيها مناعة ضد الاستضعاف وعدم الاحترام؟ أليست الثورة الجزائرية التي كنست الاحتلال الفرنسي بمئات آلاف الشهداء هي ثورتنا وثقافتنا؟ ألسنا الذين كانت فينا مقاومة جنوب لبنان التي جعلت العدو يهرب كيفيا تاركا وراءه عملاءه أيتاما ودباباته وأسلحته في عام 2000 ليعتليها الصبيان وتنصب في الميادين العامة رموزا لانتصار المقاومة؟ وهل غزة ومقاومتها التي قدرت على الوقوف في وجه العالم كله بكل فجاره وأرذاله وأنتانه.. هل هي أعظم وأكبر وأقوى من مصر الثمانين مليونا؟ ألم تكنس المقاومة العراقية الاحتلال الأمريكي وتذيقه الذل وانكسار الانسحاب؟ تلك أمريكا التي كان سفيرها " سنيور " يتوعد أن قواته ستبقى في العراق مائة سنة قادمة وأنه سيحكم العالم من هناك؟ والأفغان ألم يصدموا ويهزموا الاستعمار الغربي مرتين ؛ مرة بهزمهم الاتحاد السوفييتي وحلفائه، ومرة بهزمهم أمريكا وحلفائها وها هو الغرب يبحث عمن يفاوضه؟ ولماذا ننسى أن جمال عبدالناصر استطاع أن يلغي اتفاقية ال36 لقناة السويس وأن يواجه العدوان الثلاثي في سبيل ذلك؟ آخر القول: الحقيقة أن التكلم في احتمالات المستقبل في قضية الإسلاميين مخالف تماما لمنطق الثورات التي أبرزتهم وصدرتهم كرد على التهرؤ الذي عانت منه الأمة في ظل الساقطين والآيلين للسقوط وهو ما يجب استحضاره عند الحديث عن المستقبل وعن الإسلاميين.. والحقيقة أيضا أن الغرب واستقواءه علينا ليس قدرا محتوما وعلينا الانطلاق في أي تحرك من التسليم به والخضوع لمفاعيله.. والحقيقة أن مصداقية الإسلاميين ليست رهنا باعتماد خصومهم الذين لا يرضيهم منهم شيء، ولا بنقض الاتفاقات وتوريط أنفسهم وشعوبهم في مبادرات ومغامرات غير محسوبة.. ولكن ميزان الحكم على نجاحهم ومدى وعيهم هو قدرتهم على تثمير مواضع القوة والتوجه إلى الأهداف الكبيرة بخطوات ثابتة..