28 أكتوبر 2025

تسجيل

السعودية وقرار ترامب الكارثي

11 ديسمبر 2017

أي قراءة متأنية لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والبدء بإجراءات نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس تكشف عن حقيقة لا يمكن التستر عليها وهي أن إسرائيل قبضت سلفا ثمن تحالفها مع السعودية، فالتنسيق الوثيق بين صهر الرئيس الأمريكي جارد كوشنر ووليّ العهد السعودي وما سُرب للإعلام عن تراجع السعودية عن مبادرة السلام العربية يشير بوضوح إلى أن إدارة ترامب ما كان لها أن ترتكب هذه الخطيئة لو كان للسعودية رأي آخر. لو كان هذا القرار سيخدم الإستراتيجية السعودية الفضفاضة المناوئة لإيران لربما تفهم البعض أن للسعودية عدوا شرسا لا بد من القضاء عليه، وفي سبيل ذلك هناك ما يبرر التحالف مع إسرائيل، غير أن واقع الحال يشير إلى أن قرار الرئيس ترامب سيضعف من شأن ومكانة الأنظمة العربية التي تراها شعوبها ضالعة بالامتثال لقرارات أمريكا وربما يرفع من مكانة إيران التي تحاول جاهدة رفع شعار الممانعة والمقاومة. وهنا الحديث يدور حول السعودية، فكيف يمكن لولي العهد السعودي تبرير تحالفه مع الرئيس ترامب وصهره كوشنر ومن خلفهما نتنياهو؟! هناك من يرى بأن الرياض في نهاية المطاف ستحصل على ما تريد وسيتم تقليم أظافر إيران. حسنا! لو كان ذلك صحيحا لسلمنا بفطنة الدبلوماسية السعودية، لكن لا يلوح في الأفق ما يشير إلى أن إسرائيل أو الولايات المتحدة ستشن حربا ضد إيران نيابة عن السعودية، والحال أن رفع شعار تقليم أظافر إيران لم ينجح إلا في الحصول على تنازلات سعودية بعضها على حساب الآخرين وهنا الحديث عن القضية الفلسطينية. فأين حاربت إسرائيل أو أمريكا إيران؟! ألم تسلم أمريكا العراق على طبق من فضة إلى إيران؟ ألم تهزم الولايات المتحدة تنظيم داعش الإرهابي لتتمدد إيران وميليشياتها في سوريا والعراق؟ ألم تُمكن الولايات المتحدة إيران من خلال اتفاق نووي عارضته السعودية بشدة؟ محزن جدا أن نعيش كعرب لحظة تداعى فيها النظام العربي وفقد تأثيره في وقت أصحبت فيه السعودية القائد الأول له، فبعد تراجع مصر وانشغالها في حرب دونكوشيتية ضد الإسلام السياسي بكافة تلاوينه وبعد إحكام إيرن سيطرتها على العراق وسوريا تبوأت السعودية الصدارة والقيادة لما تبقى من أشلاء النظام العربي، لكن للأسف لم يتمكن تيار الحزم في السعودية من تحقيق أكثر من هزائم متلاحقة، عسكرية كانت أم سياسية. السذج فقط من بيننا اعتقدوا أن الرياض بالفعل تدافع عن الأمن العربي وتعمل على خلق التوزانات المطلوبة حتى يتسنى لنا كعرب العيش بالحد الأدنى من الكرامة الوطنية، لكن الاستقواء السعودي والغطرسة التي في غير مكانها قادتا وليّ العهد إلى دخول عرين الأسد الإسرائيلي، وفي سبيل الحصول على وعود الدعم الإسرائيلي قدمت الرياض التنازلات المجانية وما قرار الاعتراف بالقدس إلا آخر باكورة هذه التنازلات. صحيح أن الولايات المتحدة قدمت تنازلا مجانيا لإسرائيل، فمن غير المعقول وكما قال فريد زكريا أن تقدم إدارة ترامب على هذه الخطوة دون الحصول على شيء مقابل من إسرائيل! وبذلك تتحول الولايات المتحدة من وسيط "نزيه" إلى طرف في المشكلة، ومما يزيد من الطين بلة أن الدولة العربية الأقوى حاليا تفقد مصداقيتها عند شعوب المنطقة لأنها أسهمت وعن وعي بما هو أسوأ من وعد بلفور. سيكتب المؤرخون بعد حين وعندما تتكشف الوثائق كيف قاد الطيش والتهور والغرور بعض القادة إلى الوقوع في براثن من يكيدون للمنطقة وأهلها، فالتاريخ لم يرحم يوما من تآمر على فلسطين والقدس.