13 سبتمبر 2025
تسجيلشكلت الهجمات الإرهابية على العاصمة الفرنسية التي شهدتها باريس في 13 نوفمبر الماضي، والتي خلفت نحو 130 قتيلاً نوفمبر الماضي، حافزًا قويًا لصعود اليمين المتطرف في فرنسا، عقب الجولة الأولى من الانتخابات المحلية التي جرت يوم الأحد الماضي، التي حقق فيها حزب «الجبهة الوطنية» الذي أسّسه جان ماري لوبان والذي تترأسه ابنته مارينا الآن، فوزًا تاريخيًا حيث تصدّر النتائج بنسبة تفوق 30 في المائة وجاء في الطليعة في ست مناطق من جملة ثلاث عشرة منطقة في البلاد، متقدما بذلك على حزب الجمهوريين الذي يقوده الرئيس السابق ساركوزي والحزب الاشتراكي حزب الرئيس هولاند. فقد أجمع المحللون في فرنسا، على أن من أهم عناصر نجاح اليمين المتطرف، هو تنظيم «داعش»، الذي أثار بهجومه الإرهابي، الخوف والذعر في نفوس الفرنسيين في الفترة الأخيرة لاسيما بعد الأحداث الدموية، التي شكلت أفضل حملة انتخابية لحزب «الجبهة الوطنية»، المعروف بمواقفه المتشددة والقاسية تجاه الإسلام، والمسلمين.. فالصدمة التي خلفها هجوم «داعش» الإرهابي، لجهة عدد القتلى الكبير بالطبع، وفرّت الكثير من الجهد على حزب «الجبهة الوطنية» في إقناع الناخبين الفرنسيين لكي يصوتوا لمصلحته، لاسيما أنه الحزب الوحيد الذي يطالب باتخاذ إجراءات أكثر حزما من غيره، ضد المسلمين، كما أن مارين لو بان استغلت الوضع المتوتر الذي تشهده فرنسا بعد الهجمات، حيث أكدت أنها توقعت هذه الهجمات، وقالت إن لديها الحلول المثالية لمواجهة المخاطر التي تدق باب فرنسا. كما شكل إعلان الحكومة الفرنسية حالة الطوارئ وملاحقة الملتحين في الداخل وفرض الرقابة على الحدود وإدانة الإخفاقات الأوروبية من الناحية الأمنية، عاملاً إضافياً خدم الحملة الانتخابية لزعيمة الحزب المتطرف مارين لو بان. وبالمقابل، فإن فوز حزب «الجبهة الوطنية» يخدم أيضاً مصلحة «داعش»،لأنه في حالة تولي أشخاص من الحزب اليميني المتطرف مقاعد في المجالس المحلية بفرنسا، سيطبقون برنامج الحزب المعلن المتمثّل في التضييق على المهاجرين ثقافيا، وفي تفضيل الوطنيين ذوي الأصل المسيحي في التشغيل والمساعدات الاجتماعية. ولعلّ الفوز في الانتخابات المحلية إن تأكد سيمكن هذا الحزب من آليات عمل وقرار فعلية في أكثر من مجال هام مثل المجال المدرسي والتنموي والأمني ستجعله يستقرّ بصورة دائمة في المشهد السياسي الفرنسي ويصبح حزبًا عاديًا ومقبولاً، وسيمارس التمييز العنصري، بين المسلمين والمسيحيين في فرنسا، وسيعمل على تهميش المسلمين، وهذا يصب من ناحية أخرى في صالح تنظيم «داعش» الذي يبحث عن التفريق بين الأمم، ويدعو إلى صدام الحضارات والأديان. علماً أن حزب«الجبهة الوطنية كان إلى وقت قريب قوة ثانوية في المشهد السياسي الفرنسي، لكنه تحول اليوم بفضل نتائج الدور الأول للانتخابات المحلية إلى «الحزب الأول في فرنسا» على حد تعبير مارين لوبين، زعيمة الحزب وابنة مؤسسه التاريخي. وهو الحزب المعروف بعدائه التاريخي للمهاجرين، وبعنصريته للعرب والمسلمين واليهود. فقد حصل حزب «الجبهة الوطنية» (اليمين المتطرف) على أكثر من 30.6% من أصوات الناخبين متقدما على بقية الأحزاب. وجاء في المركز الثاني، حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي «الاتحاد من أجل حركة شعبية» حيث حصل على أكثر من 27 في المائة، فيما حصل حزب الرئيس فرانسوا أولاند الاشتراكي مع حزب يساري آخر على نحو 23 في المائة. ويمكن للاشتراكيين بدعم من الخضر والأحزاب اليسارية المتشددة أن يحصلوا في انتخابات الجولة الثانية يوم الأحد المقبل على أكثر من 10 في المائة. وأشادت رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» مارين لوبن الأحد بـ«النتيجة الرائعة» التي حققها حزبها في الدورة الأولى من انتخابات المناطق بفرنسا، مؤكدة أنها قادرة على «تحقيق الوحدة الوطنية» في البلاد إثر هذا النجاح التاريخي لحزبها. وقالت لوبن «لدينا القدرة على تحقيق الوحدة الوطنية». وفي أول ردّ فعل له على نتائج الانتخابات، رفض زعيم المعارضة اليمينية في فرنسا الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أي تحالف مع اليسار في الدورة الثانية من انتخابات المناطق الأحد المقبل لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف الذي حل في الطليعة في الدورة الأولى. ورفض ساركوزي أي «اندماج» مع الاشتراكيين وأي «سحب» للوائح حزبه (الجمهوريون) الذي قال إنه يمثل «البديل الوحيد الممكن» في المناطق التي قد يفوز فيها حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن. لم يكن صعود حزب «الجبهة الوطنية» في انتخابات الأحد الماضي مصادفة في شيء، فالحزب الذي كان يعتبر صغيرًا وشاذًا في المشهد السياسي الفرنسي، حقق اختراقات كبيرة منذ الانتخابات الرئاسية لعام 2002، إذ تمكن مرشحه ومؤسسه جون ماري لوبين من حصد 17% من الأصوات والمرور للدور الثاني في مواجهة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، وهو ما اعتبر حينها سقوطًا وتمزقًا لليسار الفرنسي وليس صعودًا لليمين المتطرف، ومنذ ذلك الوقت بقي الحزب المعروف بمواقفه العنصرية والمناهضة للهجرة والاتحاد الأوروبي يترنح في المركز الثالث خلف اليمين الجمهوري واليسار الاشتراكي اللذين تناوبا على الحكم واللذان يشكلان ثنائية قطبية سياسية فرنسية منذ تأسيس الجمهورية الخامسة سنة 1958. ومن المتوقع أن يتنافس في الانتخابات الرئاسية لسنة 2017، الرئيس الحالي فرنسوا هولاند عن الاشتراكيين، ونيكولا ساركوزي عن اليمين الجمهوري، ومارين لوبين زعيمة الجبهة الوطنية، وهو ما يعني في حالة تكرار نتائج الدورة الأولى من الانتخابات المحلية الأخيرة، وصول زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي للدور الثاني من الرئاسيات، وبالتالي الاقتراب أكثر من قصر الإليزيه، وهو الذي يتوفر قاطنه على صلاحيات كبيرة جدّاً في الدستور الفرنسي خاصة في الأمن والدفاع والسياسة الخارجية، وهو ما سيمكن الجبهة الوطنية من تطبيق برنامجها الذي يستهدف تشديد قوانين الهجرة، والتضييق على المهاجرين عمومًا والمسلمين خصوصًا، إضافة إلى استعادة الصلاحيات السيادية في مجال الأمن والدفاع والهجرة من الاتحاد الأوروبي لصالح الإدارة الفرنسية؛ مما قد يضع مسلمي فرنسا وأوروبا في وضعية أقل أريحية من الوضعية الحالية والتي توصف كذلك بكونها صعبة.