12 سبتمبر 2025

تسجيل

الإسلاميون متهمون.. لماذا دائما؟

11 ديسمبر 2014

في نقاش على إحدى الإذاعات قال محاوري متهما "الإخوان المسلمون" بعدم المصداقية تجاه ما يطرحون من شعارات ومسائل سياسية مستدلا لمذهبه فيهم بثلاثة شواهد من مصر وتركيا وفلسطين؛ وأنهم حكموا مصر سنة كاملة لم يلغوا فيها اتفاقية كامب ديفيد ولم يقاتلوا "إسرائيل" ولم يحرروا فلسطين.. وأن أردوغان ذا الفكر الإخواني يحكم تركيا منذ ما يزيد على اثنتي عشرة سنة ولم يقطع علاقاته بـ"إسرائيل"، وأن حماس في فلسطين حكمت منفردة سبع سنين دأبا لم تشرع فيها دستورا إسلاميا ولم تحرم ربا البنوك.. ثم خلص محاوري إلى أن على الإخوان خاصة والإسلاميين عامة أن يعيدوا النظر في طروحاتهم وأن يجروا مراجعات وأن لا يصادموا الواقع بمطالبهم غير القابلة للتطبيق.. وأقول: الحقيقة أن هذه القراءة في مواقف الإسلاميين والإخوان غير صحيحة ؛ فهي تجعل ميزان الحكم على الإخوان مرة العلاقة مع إسرائيل ومرة التشريعات الدستورية والفرق واضح فحيث تم تغيير الدستور بما يناسب الإسلام كما في مصر وتركيا استعار محاوري ميزان العلاقة مع إسرائيل لتعقيدها وحيث تمت مقاومة العدو وهزيمة كبريائه في فلسطين انتقل إلى ميزان التشريعات والتي هي أيضا معقدة في ظل تعطل المجلس التشريعي.. وهي قراءة غير صحيحة أيضا باعتبارها تسقط ظروف الإخوان وما شغلوا به وما نوزعوه من معاني السلطة والتمكين في مصر وتسقط تاريخ العلاقة التركية ومترتباتها وما أمكن أردوغان أن يطرئه عليها.. الأهم – في نظري – أن نسأل: هل الميزان الوحيد للمصداقية في أي بلد هو الولوج لحالة حرب بجيوش لم تقاتل على الأقل منذ أربعين سنة؟ ولماذا يفترض أحد أن على الإخوان إن حكموا أن ينقضوا كل المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات وأن يفلتوا كل أعراف الدول وأن يخربوا كل حالات السلم بجرة قلم أو بقرار عسكري.. لا تستجيب لهم فيه جيوش لا يملكون زمامها أصلا؟ وهل هذا يناسب الإمكانات أو ينسجم مع سنن التغيير المتدرجة والمستدامة المستقاة من النصوص المقدسة؟ الحقيقة أن هذه القراءة تحمل في طواياها اتهاما يذكرنا بما تعرض له " الإخوان " ولا يزالون من حرب الإشاعات قديما وحديثا.. والتي انتهت رغم طول مداها الزمني ووتائرها المتصاعدة والمتعددة إلى الفشل في تحريف الرأي العام عن دعمهم والالتفاف حولهم في أول فرصة حقيقية للتعبير عن ذلك، خاصة بعد إنجازات الإخوان التي جعلت وطنيتهم ومصداقيتهم ووسطيتهم وفهمهم وسلميتهم وقدرتهم على إدارة الشأن العام خارجة عن أي نزاع وفوق أي نفي. والحقيقة أن الإنصاف والموضوعية تقتضيان تلمس الفرق بين ما يقوله الإخوان وما يطالبون به كهدف نهائي وبين ما يرونه سياسات وتدرجات توصل إليه.. فهم يطالبون بإعادة صياغة الواقع بما يؤول إلى استرجاع الحقوق والجدية في حماية المكتسبات وحشد الأمة في جهود الإصلاح والتغيير والتحرير وهي مطالب ممكنة وحقوقية ووطنية لا يجوز أن تكون إلا موضع اتفاق وطموحا لكل وطني مخلص والمفروض أن لا نختلف عليها أيا كانت مشاربنا ومصادرنا وخلافاتنا.. قد يقع الإمهال والمناورة والتدرج في سبيل ذلك ولكن الذي لا يجوز أن يكون هو ما نراه وما تعترض عليه الأمة من التلكؤ أو الخيانة أو التساهل في المطالبة بها.. أما أن على "الإخوان" مراجعة مواقفهم وإعادة تصويبها فهذا صواب وهم يفعلونه، وقد سبق أن أجروا مراجعات وكتبوا في ذلك كتبا بل صارت لكثرتها ورمزية من كتبوها ثقافة إخوانية وإسلامية عامة.. لقد راجعوا موقفهم من التنظيم السري في خمسينيات القرن الماضي، وراجعوا أحداث سوريا والصراع مع نظام حافظ أسد في الثمانينيات، وراجعوا عملية الحسم في غزة 2007، وهم اليوم يراجعون تجربة الثورة والحكم في مصر.. وهم لا يصدرون في كل ذلك عن فكرة براجماتية مجردة ولا عن مجاملة لأحد ولا لتسويق دعائي على الرأي العام.. ولكن لأنهم منسجمون مع أنفسهم ومع قناعاتهم الدينية ومع وعيهم بضرورة المراجعة التي يسمونها المحاسبة ؛ ولهم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم العبرة والقدوة فقد راجعه ربه أكثر من مرة ما لا مجال للاستفصال فيه.. آخر القول: الإسلاميون من أصدق الناس في إعلان رأيهم ورؤيتهم من قضايا الأمة، ولكن الفرق الذي يصنعونه هو أنهم بقدر ما يطالبون بحقوق الأمة يعترفون بالواقع وينزعون إلى عدم التهور أو الانحشار داخل الثنائيات المغلقة أو السقوف الهابطة.