16 سبتمبر 2025

تسجيل

المرأة المسلمة والتحدي الحضاري

11 ديسمبر 2010

قال صاحبي: يقول الحق تعالى في سورة آل عمران "الآية: 110": (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). وحضارتنا الإسلامية تواجه حالات من التصدع والانهيار، ما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟ قلت" إن الحضارة في أبسط معانيها اجتهاد يقوم على تصور معين للوجود وللإنسان، يؤدي إلى الترقي المادي والمعنوي، ومن أبرز الدعائم التي تقوم عليها الحضارة الإسلامية أيضا هو اجتهادها في بلورة تصورها لتأدية الوظيفة التي من أجلها خلق الإنسان (وهي الخلافة) قال تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، "البقرة: 30" والخلافة هي تنفيذ أوامر الله في تعمير الأرض، فالترقي في مدارج الحضارة يكون من نتيجة تأدية وظيفة الخلافة في أحسن مظاهرها المادية والمعنوية، وأي خلل في تأدية الوظيفة يتبعه تصدع وانهيار في البناء الحضاري ككل، والتخبط في أزمة حضارية تعيشها الأمة. والحضارة الإسلامية تواجه – منذ عدة عقود – حالات من الانهيار والتصدع أدت إلى انشطار مفزع بين الذات وما تؤمن به من قيم ومبادئ وبين واقع يشدها إلى حضارة مفروضة عليها، فتوقف العطاء الحضاري، وانسد باب الاجتهاد، ونضب الإبداع، وتردى العالم الإسلامي أكثر في التخلف والانحطاط، رغم بعض مظاهر التقدم المادي. هذا كله يستدعي أن تقف الأمة، موقف التحدي، الذي لا ينبغي الا يلج عتبات الصراع وإنما الانطلاق من تمثل الإنسان المسلم للوحي والعقل في سلوكياته، واعتبار الإسلام القوة المحركة لأي تقدم أو حضارة إنسانية ينشدها، والروح الدافعة لاستعادة الأمة لوضعيتها المنضبطة بنظام الإسلام وجوهره، فتستأنف من جديد حركة الترقي المادية والمعنوية في مدارج الحضارة وتحقيق السمو الذاتي والجماعي، في الأخلاق والمبادئ الإنسانية، وفي العلم والعمل والتعاون، إذا صدق المسلم في إيمانه وإظهار دينه المنقذ للعالم أجمع، وليس لأمته فقط، وقدم نفسه نموذجا يحتذى ونواة لإنشاء مجتمعات يتحقق فيها قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، "آل عمران: 110". وتنغمس في تفعيل المجاهدة، ومجاهدة النفس بالاقتراب من الله تعالى وتطبيق أوامره والنهي عن نواهيه، ومجاهدة الأرض بالعمل الصالح وإعمارها بما ينفع الناس. قال صاحبي: في خضم الحديث عن النهضة العربية في مجتمعاتنا العربية، نجد المرأة وقضاياها بصفة عامة أخذت مجالا كبيرا منذ الإرهاصات الأولى لها، ولكن في حمى ذلك يتناسى أن المرأة لم تأخذ مكانتها الحقيقية إلا مع بزوغ شمس الحضارة الإسلامية، وإنها عاشت في وضعية اجتماعية وحضارية سامية لم تصل إليها في ظل الحضارات السابقة واللاحقة، وتحقق شرط وجودها وهو خلافة الله في الأرض وأصبحت الدعوات تركز بشكل ملح ومستفز على أن ولوج المرأة لعتبة الحضارة لن يتم إلا إذا تبينت بشكل مطلق النموذج الغربي، إن الرفع من شأن المرأة واثبات ذاتها وتحسن وضعها المادي والمعنوي لن تتحقق إلا إذا تجردت من أصالتها وجذورها، التي أصبح يطلق عليها مختلف الأوصاف من الرجعية والظلامية إلى الإرهاب وغيره، وإلا إذا تتبعت آخر تعليقات الموضة المستوردة وتنافست في مظاهر العري أو تتشدق ببعض مفردات اللغة الأجنبية أو غير ذلك من مظاهر التبعية والاستلاب. قلت: إن هذه الدعوات لا تسفر إلا عن مزيد من الهزائم ومزيد من التبعيات للغرب ليسهل عليه ابتلاع المجتمعات الإسلامية نهائيا، ويعتقد كاتب السطور، أننا بجميع اتجاهاتنا الفكرية والثقافية والسياسية، قد وصلنا إلى مرحلة من التخبط والانهيار إلى درجة أعمتنا عن ضرورة التشبث بأصالتنا وهويتنا بقوة، وعدم التفريط في قيمنا وأصولنا، ولابد لنا من الانطلاق من موقع ثابت صلب إلى الترقي في مدارج الحضارة مرة أخرى، وذلك بعدم الاستسلام لكل ما يفرض علينا، بل علينا رفع درجات التحدي الحضاري في أنفسنا إلى أقصى حالاتها، كي نستطيع بالفعل تحقيق شروط النهضة الحقيقية في كل قضايانا، ومن جملتها قضية المرأة. وقضية المرأة يجب أن توضع في وضعها الطبيعي في فضاء الخطاب المعرفي الإسلامي من أجل الإسهام والمشاركة في الترقي الحضاري، يقول الحق تعالى في سورة النحل الآية: 44 (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم ولعلهم يتفكرون) ومن أجل الاستجابة للتحدي الحضاري لن يتم تفعيله إلا إذا حلت المرأة مشكلة الإنسان في نفسه، وهذه المشكلة في اعتقاد الباحث تتمثل في الوعي بكافة مستوياته وأنواعه، وهذا ما سوف أتناوله بالبحث في مقالة قادمة.