12 سبتمبر 2025

تسجيل

إعمار الشرق وخراب الغرب

11 ديسمبر 2010

مؤتمر المانحين الذي أنهى اجتماعاته بنجاح باهر في الكويت مؤخراً، يتعين أن يكون نبراساً وبوصلة تهتدي بها الحركات المتمردة في دارفور بإلقاء السلاح الفتاك والالتفات إلى جهود جديدة تصب في خانة إعمار إقليم دارفور الذي عانى ويعاني من عناد الحركات المسلحة باستنكافها عن الجلوس إلى طاولة مفاوضات الدوحة والتوصل إلى اتفاق سلام شامل ومستدام ينهي الحرب ويؤسس لتطور الإقليم ونهضته وتقدمه. بسخاء منقطع النظير، خصص مؤتمر المانحين الذي عقد في الكويت في الأول والثاني من الشهر الحالي مبلغ 3.5 مليار دولار لإعمار شرق السودان، تنفيذاً للاتفاق المبرم بين الحكومة السودانية وجبهة شرق السودان، الذي وضع حداً فاصلاً لتمرد جبهة الشرق، وأرسى دعائم السلام للاقليم الذي أقعده الفقر والتهميش في حافة منحنى البؤس، وأبعده أميالاً عن السلام والاستقرار والتنمية المستدامة. فقبل ثلاث سنوات ونصف السنة، وبالتحديد في التاسع عشر من يونيو عام 2006م، وقعت الحكومة السودانية وجبهة الشرق اتفاقية سلام الشرق في العاصمة الإريترية أسمرا. وجاء في ديباجة الاتفاق ما يلي: إذ يؤكد الطرفان على سيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه.. وإدراكاً منهما بأن التهميش السياسي، والاجتماعي والاقتصادي يمثل جوهر مشكل شرق السودان، ووعياً منهما بالحاجة الملحة إلى التوصل لاتفاق سلام شامل يعالج جذور النزاع ويحقق سلاماً عادلاً ودائماً في شرق السودان. وتضمن الاتفاق الذي اشتمل على 152 مادة، إنشاء صندوق خاص لإعادة بناء وتنمية شرق السودان. وتعتبر الموارد التي خصصها مؤتمر المانحين آخر بند يتم تنفيذه طبقاً لاتفاقية سلام الشرق التي آتت أكلها في نهاية المطاف وحققت الأهداف المرجوة منها في إعداد وتوفير الموارد المالية اللازمة لإعادة بناء وتنمية الاقليم الصابر. وعلى صعيد ذي صلة، فإن المتتبع لمسارات مفاوضات الدوحة بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور يجد أنه على الرغم من أن الوسيط القطري، بمساعدة جامعة الدول العربية، وممثل الاتحاد الإفريقي، يجد أن المفاوضات قد أقعدها حتى الكساح ما يلي: * عدم وجود خطاب موحد للحركات الدارفورية. * تمنع ومماطلة الحركات المسلحة الكبرى عن الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتشكيك في نوايا الوساطة، فحركتا العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل وجيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور استمرأتا الجلوس في حافة المنحنى وظلتا تمنيان جماهيرهما بالأماني العراض والمستحيلة التطبيق. * الحركات الدارفورية المسلحة التي انضوت تحت لواء مفاوضات الدوحة هي بكل المعايير غير مؤثرة في الساحة السياسية. * يخشى السودانيون أن يحين موعد استفتاء جنوب السودان دون التوصل إلى اتفاق نهائي مع الحركات الدارفورية المسلحة، خاصة بعدم انضمام حركة مناوي إلى حلفائها السابقين. آن الأوان أن تسترشد الحركات الدارفورية المسلحة بمقتضيات ومآلات اتفاق شرق السودان الذي قدم مثالاً رائعاً للتفاوض المثمر الذي وضع وحدة البلاد باعتبارها خطاً أحمر في سلم الأولويات. التمرد لن يستمر إلى الأبد حتى وإن تلبس لبوس العدالة، كما أن تجاهله لن يفضي إلى استقرار البلاد في ظل التآمر الخارجي الذي يدعم رمزية التمرد السوداء ويلونها بالدم والدمع والدمار والخراب والخذلان المبين.