14 سبتمبر 2025
تسجيلما يسمى بالشرق الأوسط هو قلب العالم لأنه يربط بين 3 قارات و7 بحار. الطموحات الغربية في الشرق الأوسط تعود إلى العصر الروماني، ثم عاودت الظهور خلال الحروب الصليبية، وتضخمت مع غزو نابليون لمصر والحرب العالمية الأولى. وعندما غادر الغرب الشرق الأوسط، زرعوا إسرائيل كوكيل لهم هناك للحفاظ على الانقسام في هذه المنطقة. ولذلك فإن قضية فلسطين (أو القضية الفلسطينية) لا تزال هي المشكلة الرئيسية للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وبينما نشهد تغييرات جذرية في جميع أنحاء العالم، فمن الطبيعي أن نرى انعكاسات لهذه التغييرات في الشرق الأوسط. إن القضية الفلسطينية تتعلق بالعدالة والسلام والاستقرار والديمقراطية والتنمية في المنطقة. منذ نشأة إسرائيل، حرص الغرب على ضمان حمايتها من المساءلة عن كافة أنواع الأعمال الوحشية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن الفلسطينيين لم يستسلموا وحافظوا على ديمومة إرادتهم من أجل الاستقلال والكرامة. وتحولت المقاومة الفلسطينية من الدفاع إلى الهجوم على مر السنين. ببساطة، تحولت من المقذوفات البدائية في التسعينيات إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وعلى الرغم من الحصار الشديد والمضايقات والهجمات المستمرة التي يتعرض لها الفلسطينيون، لم تتمكن إسرائيل من كسر روح إرادة المقاومة لديهم وإضعاف قوتها، وخاصة في غزة. لقد دفع حكم نتنياهو الذي دام 30 عامًا الجمهور الإسرائيلي نحو سياسات أكثر تطرفًا، وأعطت إدارة ترامب كل ما أراده نتنياهو، بما في ذلك نقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس، والتراجع عن حل الدولتين، وتوسيع المستوطنات. وهناك عدة أسباب أخرى للاحتقان على الجانب الفلسطيني: استمرار حصار غزة، والاعتقالات والقتل العشوائي، وتوسيع الاستيطان، وانتهاكات المساجد، واستمرار مضايقة الفلسطينيين من المستوطنين ورجال الأمن. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فانه خلال عام 2023 بلغ عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل 200 شهيد، قبل اندلاع هذه الأزمة. الهجمات الأخيرة التي شنتها كتائب القسام من غزة على إسرائيل فاجأت الجميع في الداخل والخارج. لقد حطمت العملية الشاملة صورة الجيش الإسرائيلي القوي واستخباراته، وقيادة نتنياهو المتطرفة. بالطبع ستكون هنالك تداعيات إقليمية لهذه العملية. ستتوقف عملية التطبيع العربي مع إسرائيل لأن صورة إسرائيل القوية قد دمرت بعد هذه العملية، كما أن تعاطف العرب والمسلمين مع فلسطين سيزيد من الضغط على الحكومات العربية للابتعاد عن إسرائيل. كما ستكون هنالك ضربة أخرى على الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وكما ذكرت في مقالتي السابقة في هذه المساحة والمعنونة بـ «حروب الممرات»، فإن تشغيل هذا الممر لا يمكن تأمينه دون السلام في فلسطين. ومن ناحية أخرى، في ظل العلاقات القوية مع اليهود الروس في إسرائيل واليمين المتطرف مثل نتنياهو وترامب، ستكون روسيا سعيدة برؤية صرف انتباه الغرب عن الحرب الأوكرانية. ويبدو حتى الآن أن إسرائيل سترد بقصف غزة وتسويتها بالأرض إذا ظل الرأي العام الدولي صامتاً إزاء الفظائع الإسرائيلية. ومن غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستنفذ أو تستطيع القيام بعملية برية في غزة أو ما إذا كان حزب الله سيدخل الصراع من الشمال. أعتقد أن إسرائيل ستتعامل بحذر على الجبهتين لتجنب مفاجأة أخرى وهزيمة قد تعني نهاية إسرائيل. ومن المحتمل أن تعتمد بشكل كبير على القصف الجوي. ومن المؤكد أن هذه الأزمة ستساعد في تحسين صورة إيران في الشرق الأوسط باعتبارها الراعي الرئيسي لحماس حالياً. ولكن القضية الفلسطينية ليست مشكلة إيران وحدها، بل هي مشكلة المنطقة والعالم الإسلامي برمته. وتتيح الأزمة الأخيرة فرصة لدول إقليمية مثل قطر وتركيا لأخذ زمام المبادرة لقيادة الدول الإسلامية لاتخاذ موقف موحد ضد المجازر الإسرائيلية والضغط على أمريكا والغرب، لإجبار إسرائيل على الجلوس في مفاوضات سلام دائم واستقرار في المنطقة. إن الإبادة الجماعية للفلسطينيين ستؤدي إلى تعبئة شعبية كبيرة في الدول العربية، مما يؤدي إلى جولة جديدة من الربيع العربي لا يريدها الغرب.