13 سبتمبر 2025
تسجيلأكدت سعادة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، المندوب الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة " إن ربط الإرهاب بدين معين أو مذهب أو عرق باتَ يُشكِّل ذخيرة للمنظمات المتطرفة لغسل عقول البسطاء والشباب وتجنيدهم للانضمام لهذه المنظمات، وها نحن اليوم نشهد ارتكاب المجازر واستخدام وسائل الترهيب والتعذيب من المتطرفين من مختلف الأديان والمذاهب، وعليه فإن إضفاء صفة الإرهاب على دين أو فئة أو جماعة معينة بحسب الأهواء السياسية هو أمر غير مقبول". ودعت دولة قطر المنظومة الدولية لتنظيم مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب لوضع حد للتلاعب والتأويلات والمقاربات المختلفة للظاهرة التي باتت تهدد أمن البشرية جمعاء. أصبحت ظاهرة الإرهاب ظاهرة القرن الحادي والعشرين بامتياز؛ فالمشكلة أصبحت أداة للسياسة والعلاقات الدولية والحضور الإعلامي والوصول إلى الرأي العام مما جعلها مادة دسمة تتفنن وسائل الإعلام في تناولها وتغطيتها ومناقشتها. ومن أهم التحديات التي تفرضها ظاهرة الإرهاب على المنظومة الدولية هي تعريف كلمة "إرهاب" حيث إلى حد الآن لا يوجد تعريف شامل ومانع للكلمة ومتفق عليه دوليا. يثير مجرد الكلام عن الإرهاب عدة تساؤلات وجدال بسبب المشكلات التي تحيط بتعريف هذه الظاهرة وتحديد دوافعها وأبعادها وأهدافها. ونلاحظ هنا اختلاف نظرة كل مجتمع وكل دولة للمفهوم، وقد ساهم هذا الإشكال في الالتباس والتداخل والفوضى في الطرح والمعالجة والتحليل. فحتى اليوم لا يوجد تعريف للإرهاب متفق عليه دوليا وذلك لأسباب تتعلق بتباين المصالح واختلاف المعايير والقيم بين الدول والمجتمعات مما أدى على سبيل المثال لعدم التمييز في الكثير من الحالات ما بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال. ويرتبط إطلاق تسمية إرهابي بالرؤية السياسية والفلسفة الاجتماعية التي تؤمن بها المؤسسات والمنظمات ووسائل الإعلام، كما تلعب المصالح المختلفة التي تدافع عنها تلك المنظمات دورا كبيرا في ذلك. يؤكد علماء اللغة أن أصل كلمة إرهاب مشتقة من الفعل: رهب يرهب؛ ويقصد منها التخويف، والفزع. والإرهابي هو الذي يحدث الخوف والفزع عند الأبرياء. كما عرفته الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب بأنه:" كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به، أيا كانت دوافعه أو أغراضه، يقع تنفيذه لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم وأمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق أو الأملاك (العامة والخاصة) أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر" (المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب 1998). بالرغم من أن هذا التعريف يبرز مظاهر وطبيعة النشاط الإرهابي؛ إلا أنه لم يتطرق للوسائل والأساليب المستخدمة من طرف الإرهابيين وهي عديدة ومتنوعة، بل قد تأخذ أشكالا حديثة: كالرسائل الإلكترونية، والرسائل القصيرة. كما أن هذا التعريف لم يتطرق لمختلف القطاعات، والمجالات، والأنشطة الإرهابية، وهو ما ركز عليه تعريف المجمع الفقهي الإسلامي، وذلك بتحديده للجوانب والقطاعات التي يستهدفها الإرهاب؛ إذ يؤكد التعريف بأن الإرهاب هو: "عدوان يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه). ويشمل صنوف التخويف والأذى، والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصورة الحرابة وإخافة السبل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم، أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر. فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها." (قرارات المجمع الفقهي الإسلامي – اتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الإرهاب لسنة 1999م). وقد جاء في قرارات الأمم المتحدة بأن الإرهاب هو: "تلك الأعمال التي تعرض للخطر أرواحا بشرية بريئة أو تهدد الحريات الأساسية، أو تنتهك كرامة الإنسان". وفي السياق نفسه، عرفه خبراء الأمم المتحدة بأنه: "إستراتيجية عنف محرم دوليا، تحفزها بواعث عقدية (إيديولوجية) تتوخى إحداث الرعب داخل المجتمع لتحقيق الوصول إلى السلطة أو تقويضها." لقد ركز هذا التعريف على الهدف الجوهري للإرهاب وهو الوصول للسلطة أو تقويضها، ولكن في بعض الحالات فإن الإرهاب يستهدف خلق بلبلة وفوضى في المجتمع. كما أن بواعث وأسباب الإرهاب لا تكون دائما إيديولوجية بل قد تكون اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية. من خلال التطرق لهذه التعاريف يتجلى لنا بأن هناك اختلافا وتباينا واضحا في تحديد تعريف للإرهاب، وهذا راجع لعدة أسباب، ولعل أهمها: الالتباس القائم بينه وبين المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بحقوق شعوب العالم في النضال والكفاح والجهاد والمقاومة من أجل تحقيق استقلالها والدفاع عن مصالحها. كما أن بعض البلدان ليس لديها تشريعات وقوانين تحدد الفروق القائمة ما بين السلوك الإجرامي والعدواني وآفة الإرهاب، إذ ليس هناك فرق من الناحية التشريعية والقانونية ما بين الجريمة خصوصا المنظمة والسلوك الإرهابي. أضف إلى ذلك، فإن مصالح الجهات والمؤسسات التي تحدد وتضع التعاريف المختلفة للإرهاب تستمدها وتستلهمها بشكل مباشر أو غير مباشر من مصالحها الذاتية، وقد تتعارض هذه المصالح مع مصالح شعوب أو دول أو مؤسسات أخرى، ونحن نعلم بأن بعض الدول الكبرى تحدد وتعرف الإرهاب، والسلوك الإرهابي، والمنظمات والجماعات والشخصيات الإرهابية وفق مصالحها الحيوية والإستراتيجية. فالإرهاب هو حدث مفاجئ وغير متوقع، منظم، وهو عنف وعدوان غير مشروع يقوم به فرد أو جماعة ويكون عادة موّجها ضد مدنيين أبرياء ويستهدف الحضور الإعلامي والعلنية والدعاية للفت انتباه أكبر عدد ممكن من الناس بهدف الوصول إلى الرأي العام من أجل التأثير في صانع القرار لتحقيق غايات اجتماعية وسياسية وإستراتيجية. الإرهاب ظاهرة معقدة ومتشابكة تفرزها جملة من العوامل والأسباب حيث تتداخل العوامل الشخصية والنفسية مع الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لتشكل ظاهرة الإرهاب التي تهدف إلى تحقيق الأهداف من خلال العنف والقتل والجريمة وإلغاء الآخر وإقصائه من الوجود. أما على الصعيد الدولي فتتلخص الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرز الإرهاب حسب لجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة فيما يلي: "سيطرة دولة على دولة أخرى، واستخدام القوة ضد الدول الضعيفة، وممارسة القمع والعنف والتهجير، وعدم التوازن في النظام الاقتصادي العالمي والاستغلال الأجنبي للموارد الطبيعية للدول النامية، وانتهاك حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالتعذيب أو السجن أو الانتقام، والجوع والحرمان والبؤس والجهل، وتجاهل معاناة شعب ما يتعرض للاضطهاد، وتدمير البيئة". إن استعراض الأسباب والعوامل التي تولد الإرهاب لا يعني محاولة تبريره وإيجاد حجج لانتشاره وتوسعه في العديد من المجتمعات وإنما الهدف تحدده طبيعة الظاهرة التي لم توجد هكذا من العدم وإنما هناك دائما أسباب وآليات لأي ظاهرة من الظواهر سواء كانت اجتماعية أم سياسية أم غير ذلك. تتعدد أسباب الإرهاب وتختلف حسب ظروف وطبيعة كل مجتمع، وظاهرة الإرهاب ظاهرة معقدة ومتشعبة، الوقوف عند أسبابها وأبعادها ليس بالعملية السهلة. فالإرهاب ظاهرة تعكس وضعا غير سوي في المجتمع، يكون في معظم الأحيان تعبيرًا عن الاستياء والتهميش والإقصاء والتنكر للواقع وللقيم السائدة في المجتمع. فهو إذن ظاهرة لا تؤمن بالآخر ولا تؤمن بالحوار ولا حتى بالقيم الإنسانية. الإرهاب يكون بعيدا كل البعد عن المنطق والبصيرة ويؤمن بالنفي الكامل لجميع القيم الأخلاقية. فالعقلية الإرهابية إذن تجد مصدرها في رفض ما هو موجود في المجتمع والثورة عليه، وتتسم بالكراهية والحقد والإنكار الأخلاقي لكافة القيم. ومما زاد في تعقيد الظاهرة وتشابك أطرافها استعمال الإرهاب من قبل بعض الدول للإطاحة بدول أخرى أو تقويض عمليتها التنموية وتطورها والحد من عملها الدبلوماسي ونشاطها السياسي على المستوى الإقليمي أو الجهوي…إلخ وقبل التطرق إلى أسباب الإرهاب يجب الوقوف عند أهدافه، ففي غالب الأحيان تلجأ الجماعات السياسية التي تفشل في الوصول إلى الحكم والسلطة والتأثير في القرار السياسي بالطرق السياسية المعروفة إلى استعمال العنف والتطرف للتعبير عن استيائها وعدم قبولها بالأمر الواقع. فالإرهاب إذن أصبح نوعًا من التعبير السياسي الذي يعكس فشل تنظيم معين في التأقلم والتفاعل مع المجتمع بمؤسساته ومكوناته المختلفة.