13 سبتمبر 2025

تسجيل

وقفة نقدية عند مذكرات د. عائشة الكواري

11 سبتمبر 2023

وَقفتي عند مذكرات بنت جاسم لن تكون وقفةً عامَّة، بل ستكون وقفات متعدِّدة عند كل محطَّة من محطَّات قطار الكواريَّة في حياتها. فَمَن يقرأ مذكَّرات بنت جاسم سيجد أنَّها مزيجٌ ما بين تجارب وخواطر الكاتبة، والتي استطاعت بطريقتها الفنيَّة وأسلوبها القَصَصي المواءمة بين هذه التجارب وتلك الخواطر لكي تُقدِّمها للقارئ على أنَّها عصارة تجارب الحياة وخواطرها، فيكتشف القارئ من خلال قراءته شخصيَّة الكاتبة ويعرف مبادئها في الحياة. ومن بداية وَقفتنا النقدية انطلقنا من «بداية الكاتبة» وإنَّني متأكِّدٌ أنَّ الحروف والكلمات التي لم تُصرِّح بها الكاتبة لأحد هي التي تَتكلَّم عن الكاتبة، وهي التي تُعبِّر عن طموحها اللامحدود، وعن أفكارها الجريئة، فكانت أوَّل خطوة لهذا الطموح اللامحدود، ولهذه الأفكار الجريئة ولادة دار النَّشر «روزا»؛ فُربَّ تلميحٍ أبلغ من تصريح أبدعت به بنتُ جاسم. والقهوة المرَّة التي رَوتها الكاتبة ما هي إلا قهوة التفاؤل وإعادة تكوين الذَّات إيجابيَّاً من خلال التنفُّس العميق بشكل إيجابي، وألا نَجعلَ لشوائب الحياة مَمرَّاً لضيق النَّفس الإيجابي. ما أروعَ الكاتبة عندما وَضعت للعابرين في حياتنا قيمةً إيجابية تُساهم في جَبر خواطرنا كما يَفعل المقرَّبون والماكثون في حياتنا، إنَّ ابنة جاسم لم تَجعل العابرين خَطَّاً هامشيَّاً في حياتنا، بل آثرت أنْ تُدخلهم في عمق الحياة الإيجابية وصُلبِ تفاؤلها. وما يَجول في خاطر الكواريَّة ما هو إلا فلسفة الكاتبة في تَقبُّل الخطأ ومعالجته، وهي فلسفة مثاليَّة تَفوح بالإيجابية التي تَسير مع النَّمط الإيجابي لمذكَّرات الكاتبة، فهذا التزاوج ما بين مذكَّرات الكاتبة وما يَجول في خاطرها ما هو إلا كميَّة التفاؤل والإيجابية التي تَفيضُ بها روح الشاعرة. ما أجملَ علب الحلوى التي دَفعت الكاتبة للغوص في أعماق الشيء لِتكتشف سرَّه، فالكاتبة لا تَقبل الوقوف عند شاطئ الأشياء مُتغنِّيةً بالجمال الظاهري فقط، فنحن أمام كاتبة اِمتلكت تجارب كثيرة في الحياة وَلَّدت لديها الخبرة الكافية للغوص في أعماق الشيء حتى تكتشف الدرَّ الثمين من المزيَّف. تَسرد لنا الكاتبة قصصاً من واقعها هي عبارة عن وصفات إيجابية جميلة ومختصرة من أجل تَغيير واقعنا من السلبي إلى الإيجابي، ومن التشاؤم إلى التفاؤل بخطوات بسيطة، فسبحان الله الذي مَنح ابنةَ جاسم كميَّة التفاؤل هذه والإيجابية. نَقف عند فقرة «قابل للتنازل» لِنرى من خلالها كيمياء الكاتبة في تَحليلها لفلسفة التنازل في الحياة، فتدعونا بنتُ الكواري إلى التنازل عن كلِّ ما يَضرُّنا ويُقيِّدُنا؛ لأنها كالعناصر الخاملة كيميائيَّاً؛ لا تُفيدُ شيئاً عندما تَتَّحدُ مع حياتنا الإيجابية، فالكاتبة تَبحث عن عناصر نَشطة تَتَّحدُ مع طاقاتها الإيجابية وتَتفاعل معها لتَلدَ لها حياة كريمة ملؤها التفاؤل والإيجابية. تَضبط الكاتبة لنا توازننا في الحياة من خلال «كلَّك ذوق»، فتفاؤلنا وطموحنا في الحياة لا يجب أنْ يُنسينا ذوقنا تجاه الآخرين، فذوقكَ هو سرُّكَ الذي تَبوح به للآخرين. أجزمُ يَقيناً بأنَّ مذكَّرات بنت جاسم عبارة عن رحلة أدبيَّة وعلميَّة بنفس الوقت، فها هي الكاتبة تَنتقل بالقارئ من مختبر الكيمياء إلى تجارب الفيزياء من خلال فقرة «بالصدفة»، فالنجاح في فلسفة الكاتبة هو قانون فيزيائي يبدأ بالتخطيط ثم السَّعي لتحقيقه، وهذا السَّعي هو رَدُّ الفعل الذي يجب أنْ يكون مغلَّفاً بالصبر والتَّحمل والابتسامة، فإذا لم يكن كذلك فهو نجاح مزيَّفٌ. أجمِل وأكرِم بالدكتورة عائشة وهي تَعتزُّ بلغتها وثقافتها وهويَّتها العربية والإسلامية، وما هذا الاعتزاز إلا انعكاس لداخلها، وانعكاس لطموحها اللامحدود في إظهار الوجه المشرق لكلِّ مكوِّنات حياتها وتفاصيلها. لقد ركَّزت الكاتبة على قيمة العدل، وتَركت للقارئ استنتاج هذه القيمة من خلال ربطها بالطموح وتحقيق الأحلام، وكأنَّ بالكاتبة تقول للقارئ: إذا تأخَّر تحقيق حلمك وطموحك فلا تَتعجَّل الحقيقة بظلم نفسكَ وظلم الآخرين، بل اصبر وحافظ على عَدلِكَ مع نفسك ومع الآخرين.