18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); صعّد التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون في الآونة الأخيرة من حدة خطابه السياسي ومواقفه لدرجة لم يعهدها اللبنانيون منذ عقود، وأعادت لأذهانهم مآسي الحرب الأهلية. فالتيار العوني دأب على إثارة قضايا دفع اللبنانيون دماء كثيرة لتجاوزها والتوافق عليها، كالشراكة بين المسلمين والمسيحيين، والمناصفة فيما بينهم، والعيش المشترك، والقبول بالآخر، والنظرة إلى الكيان اللبناني، وغيرها من القضايا التي شكلت "البازل" اللبناني الذي صار اسمه دولة. فالخلطة السحرية التي توصل إليها الدبلوماسيان الفرنسي فرانسوا بيكو والبريطاني مارك سايكس عام 1916 في اتفاقية "سايكس بيكو" أثمرت كيانًا هجينًا الهدف الأساس من وجوده هو إيجاد موطن لمسيحيي الشرق، وتم تخصيص بقعة جغرافية تكون للمسيحيين فيها امتيازات خاصة. وعلى الطريق نفسه سار الانتداب الفرنسي، الذي حرص على توسيع الرقعة فضم لمتصرفية جبل لبنان عددًا من المدن الساحلية والجبلية لتصبح عام 1926 ما أطلق عليه الجنرال الفرنسي غورو دولة لبنان الكبير. لا أفشي سرًا حين أقول إن المسلمين تاريخيًا كانوا يرفضون الاعتراف بالكيان اللبناني. فالدولة الجديدة التي قامت على أنقاض الدولة العثمانية، جعلت من المسلمين طرفًا ضمن أطراف، وأقلية بعد أن كانوا جزءًا من أكثرية مسلمة حاكمة، ومع التسليم بنهاية العهد العثماني، فإن المسلمين كانوا يفضّلون الانضمام إلى دولة عربية أخرى يكونون جزءًا من المسلمين فيها، علاوة على أن الجهة التي رسمت الكيان اللبناني هو الانتداب الفرنسي. استرجاع صفحات من تاريخ لبنان ليس الهدف منه إعطاء درس في التاريخ الحديث، بل للتأكيد على أن الطرف الذي طالما كانت لديه مشكلة مع الكيان اللبناني ولم يكن راضيا عنه ويسعى لتعديله هم المسلمون وليس المسيحيون. فلبنان تاريخيًا هو قلعة مسيحيي الشرق وملاذهم، وقد استغرق المسلمون عقودًا طويلة حتى أقنعوا أنفسهم بنهائية الانتماء لهذا الكيان، وكان سببًا من أسباب اندلاع الحرب الأهلية. بل إن بعض اللبنانيين لا يعترفون حتى يومنا هذا بالحدود المرسومة ويعتبرونها إرثًا للانتداب، ويصرون على أن لبنان كغيره من بلدان المنطقة هي جزء من كيان واسع هو الأمة الإسلامية. لذلك من المستغرب أن يكون التيار الوطني الحر (المسيحي) هو الذي يشكو التهميش ويثير قضايا كيانية استغرق الاتفاق عليها عقودًا طويلة، وسالت من أجلها دماء كثيرة.يدرك الجميع أن أحلام ميشال عون بالوصول إلى سدة الرئاسة هي الدافع وراء التصعيد السياسي لتياره، وأنه بذلك يريد قطع الطريق أمام التمديد لقائد الجيش تمهيدًا لإزاحته من السباق الرئاسي. لكن ذلك لاينفي خطورة ما يقوم به وحساسية القضايا التي يطرحها. فعلى أهمية منصب رئاسة الجمهورية لكنه يصبح قضية هامشية إذا كان المقابل هو فتح ملف الكيان اللبناني وشكل النظام والشراكة بين المسلمين والمسيحيين. كما أن الحديث عن نظام الحكم وهضم حقوق المسيحيين وتهميشهم سيتيح للأطراف الأخرى أن تشكو من هضم حقوقها وتهميشها، وستطالب الطوائف الأخرى بإنصافها ومنحها الحقوق التي تعتبر أنها تستحقها.ما هو موقف التيار الوطني الحر والمسيحيين في لبنان إذا خرج أحد وطالب بأن يكون رئيس الجمهورية من المسلمين؟ ما موقفه إذا طالب أحدهم بأن يكون قائد الجيش درزيا؟ ما هو الموقف إذا طالب أحدهم بإجراء تعداد سكاني للبنانيين على أساس طائفي وأن يتم توزيع مقاعد مجلس النواب حسب نسبتهم الحقيقية وليس مناصفة بين المسلمين والمسيحيين كما هو قائم الآن؟، هي قضايا محقة، لكن اللبنانيين توافقوا على عدم إثارتها حرصًا على العيش المشترك وطمأنة المسيحيين.القضايا التي يثيرها التيار الوطني الحر والتي من خلالها يسعى لتعطيل عمل الحكومة التي باتت المؤسسة الدستورية الوحيدة العاملة بعد شغور رئاسة الجمهورية وتعطيل المجلس النيابي، هي قضايا أشبه بوكر دبابير لسعاته ستصيب التيار أكثر مما ستصيب سواه.