14 سبتمبر 2025

تسجيل

حماس.. ومشوار الألف ميل

11 سبتمبر 2014

في خضم مهاجمته لحماس وسلاحها ومقاومتها وتبهيته لانتصاراتها واتهاماته العدوانية الجائرة لها وضع رئيس منظمة فتح والسلطة "محمود عباس" شروطا جديدة لإتمام المصالحة والشراكة معها، بقوله: "إذا كانت حماس لا تقبل بدولة فلسطينية واحدة وسلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد، فلا شراكة بيننا وبينهم"، وفي كلمته أمام مجلس وزراء الخارجية العرب، الأحد الماضي، راح يسترجع عداوته لحماس، كما لو كان الانقسام في أوله.. وأقول: لم تأت حماس بأي سبب لهذه العداوة بعد المصالحة ثم بعد العدوان، ولكننا سمعنا نتنياهو يدعو عباس لمفاوضات جديدة، ويمنّيه بحلول خلاقة شريطة تخليه عن المصالحة، وقرأنا عن سيناريو تتحدث عنه دوائر رسمية وأوساط بحثية في أمريكا يقوم على مقايضة سلاح المقاومة بالإعمار وفك الحصار وبالتوقف عن تهديد العمق الصهيوني وعن دور السلطة والسيسي في ذلك. فإذا كانت هذه الشروط غير وطنية ابتداء وغير منطقية ثانيا ومن المقطوع به أن حماس لن تستجيب لها ثالثا.. فإن الناتج النهائي عن اشتراطها هو تفكيك الوفد الفلسطيني المفاوض الموحد في مصر، وتعطيل الإعمار، وإفشال مباحثات الميناء والمطار، وعدم عودة السلطة لغزة، وإفساد الوحدة، وقتل المصالحة، وتجميد حكومة التوافق الانتقالية، وتأجيل الانتخابات.. وفي المحصلة ناتجها إبقاء الانقسام وإدامة الحصار، ثم الدوران في محيط حرب ثانية وثالثة وعاشرة على غزة.. هذا التحول الذي يقوده عباس وزمرته في رام الله ويحقق لنتنياهو والسيسي غاية مرادهما ضد حماس.. يطرح سؤالين أساسين، الأول: لماذا قبل عباس بالمصالحة ما دام غير مقتنع بها إلى هذا الحد؟ ثم ما الذي على حماس والمقاومة أن تفعله وأن تتخذه من خطوات عملية في ضوء القناعة بأن المصالحة غير متسناة في ظل هذه القيادة التي تتحكم في القضية؟ أما من حيث قبوله بالمصالحة.. فثمة مؤشرات على أنه كان يعلم بالعدوان وتوقيته، بل وكان ينسق أموره على أساسه، وعلى أساس توقع أن حماس سيتم تدميرها فيه، فقبل بالمصالحة في إطار غايتين اثنتين، الأولى: تجنب حدوث فراغ دستوري وأمني بعد العدوان وبعد اعتقال وقتل قادة حماس وتدميرها.. والثانية: تجنب البدو في صورة الرجوع لغزة بفعل الاحتلال وعلى ظهر دباباته.. لذلك رأيناه يقبل بالمصالحة ويسهل أمرها في يومين أو زيارتين دون أي من الشروط التي صار يطرحها اليوم ويطالب بها. وأما ما على المقاومة أن تتصرفه في مواجهة ذلك، فبالتأكيد لم يعد مجديا التعويل على استصلاح عباس ومنظمته بالمجاملات أو احتوائها بالخطابات الإنشائية ولغة التثقيف والاستعطاف والإقناع أو المحاججة أحيانا.. فهذه اللغة لم تصلح لثماني سنوات مضت، فلا يمكن الوثوق بها.. وعليها أن تفكر ثم تعمل بدلا من ذلك على مواجهته وتجاهله وإسقاط اعتباريته إن أمكن مع بقية الفصائل أو من دونها عند اللزوم.. ودون أن يعني ذلك بالضرورة فتح حرب معه أو مع سواه ولكن بوضع القدم الأولى في مشوار الألف ميل الذي صار مسارا اضطراريا.. وعليها أن توحد خطابها وموقفها، وأن تجدول لشعبها رؤية واضحة تعبر عن قضيته وطموحاته وإمكاناته ومعيقاته وتعبر عن حاضره ومستقبله بعد أن صارت مع الشعب الفلسطيني وقضيته في واد وصار عباس ومصالحه وعلاقاته مع الاحتلال ومع سيسي مصر في واد آخر.. آخر القول: عباس ومنظمته يتصرفون اليوم وفي هذا المفترق الإستراتيجي بمنطق تصدير نموذج سلطة رام الله ونموذج الفلسطيني الجديد الذي صنعه الجنرال الأمريكي " كيث دايتون " المطابق لنموذج روابط القرى العميلة التي أنشأها العدو في الضفة أوائل الثمانينيات وجيش سعد حداد وأنطوان لحد في الجنوب اللبناني.. أما المصالحة فلم تعد، لا شكلا ولا مضمونا ولا ماديا ولا معنويا، موجودة، فقد صارت ميتة عمليا.