03 نوفمبر 2025
تسجيليرى عالم النفس الدنماركي إريك إريكسون أن كل إنسان يمر منذ ولادته وحتى وفاته بثماني مراحل عمرية مختلفة، والحقيقة أن إريكسون قام بتوسيع لبعض المراحل التي طرحها فرويد ثم زاد عليها، كما يذكر أن زوجته أضافت مرحلة تاسعة وهي مرحلة الشيخوخة، ونحن نعرض لهذه المراحل وللكيفية التي تمكن الآباء من تحقيق التوازن النفسي للطفل في مختلف هذه المحطات.تكلم كذلك عالم آخر يدعى "بريجيه" عن البناء المعرفي للطفل، وعن تدرج نموه عقليا، معرفيا وفكريا، وتوجد العديد من النظريات لمجموعة من علماء النفس تحدثوا بهذا الصدد، كان من أبرزهم فرويد عندما تكلم عن البناء الجنسي لدى الأطفال، مع الإشارة إلى أن فرويد أصاب في بعض ما قاله وأخطأ في البعض الآخر. إن نظرية اللا شعور كانت هدية فرويد للعالم، وكذلك نظرية الأحلام، وقد قال فيهما كلاما جميلا، لكن البعض أمسك بنقطة الشهوة الجنسية وغيرها وبالغوا فيها مبالغات كثيرة وأساءوا للرجل، أضف إلى ذلك كونه كان يهوديا وله علاقات معقدة بالحكومة اليهودية، ولكن هذه قضيته هو، وأنا قضيتي العلم، فأنا كمختص أقرأ هذا العلم وأتأمله، وليست لي علاقة بخط الرجل السياسي أو الديني أو سلوكه الشخصي، إنما أتأمل المعلومة (والحكمة ضالة المؤمن)، فبعض معلوماته على درجة من الجمال وتحتاج إلى التأمل، بينما يحتاج بعضها إلى المراجعة، وربما لو كان حيا لراجعها هو بنفسه.نعود ثانية للبناء الانفعالي أو العاطفي، وكما قلنا فالطفل ينمو معرفيا وفكريا وينمو اجتماعيا وينمو جسديا وهناك نوع آخر من النمو يدعى النمو العاطفي، وسأشير هنا إلى بعض اللمسات التربوية التي تساعد على بناء الطفل عاطفيا بشكل متوازن. إن احتضان الطفل وتقبيله يجب أن ينطلق من ميول الطفل نفسه، فبعض الأطفال لا يحب الحضن الشديد، وبعضهم يحب وضع رأسه على كتف والده فقط، فكل طفل له لون معين ومختلف، والإشكالية أننا كآباء ننشغل بما نميل إليه نحن فنطبقه على الطفل، لا بما يميل إليه أطفالنا. اللمسة الأخرى تتعلق بممازحة الأطفال وملاعبتهم، إن لعبك مع الطفل لا يجب أن يكون بتعال ولا بانفعال شديد كالغضب، لأنك إن شاركت طفلك في اللعب بانفعال رفعت مستوى الانفعالية لديه، وهذا خطأ تربوي، لأننا يجب أن ندرب الطفل على الموضوعية لا على الشخصانية، يجب أن نجعل أبناءنا موضوعيين، فالابن على سبيل المثال عندما يشاهد مباراة لكرة القدم ينظر إلى فريقه فقط ولا ينظر إلى طريقة الفريق المنافس، وهو بذلك لا يستفيد ولا يتعلم منه شيئا، لأنه تشنجي، ولأنه دُرب حينما كان يلعب في صغره على "كيف أنتصر؟" لا على "كيف أستمتع؟". إن طريقتنا التربوية حصرت المتعة في الفوز، والأصل أن المتعة في اللعب والفوز معا، وليست في أحدهما فقط، والغرض من ذلك هو أن نزيد مساحة المتعة عند أبنائنا، لأننا كلما زدنا مساحة المتعة المباحة لديهم أغلقنا عنهم المتعة المحرمة، حتى الواجبات يجب أن ندرب أطفالنا عليها من باب المحبوبات. حتى الترحيب بالطفل عند دخوله يجب أن يكون حاراً ودافئا، فالطفل يحتاج إلى الجرعة العاطفية باستمرار، أما البرود الانفعالي فلا ينتج عنه إلا مزيد من البرود. من الخطأ كذلك أن تقول للطفل افعل بصيغة الأمر، إذا أردت أن تربي طفلا بطريقة سليمة فاجعله يراك تمارس السلوك المطلوب أمامه وسيقلدك، أما الوعظ اللفظي المجرد فلن يؤثر فيه كثيرا. إن من الأمور التي يجب الحرص عليها في موضوع البناء العاطفي للطفل عدم تحطيم معنوياته، القاعدة التربوية تقول: كل ما يحب الطفل يجب أن يكون محبوبا لدي، لأن ذات الطفل وميوله شيء واحد، عكس الإنسان الناضج الذي تكون ذاته شيئا وميوله شيئا آخر، يجب أن تشترك في حسك أيها المربي مع الطفل في محبوباته حتى يشعر بقبولك، هو يحب الرسم، أحب أنا الرسم لأجله، يحب النحت، ما الضير في ذلك؟ أشاركه حبه له، إن بعض الآباء قد يكون ناجحا ومميزا، لكن أبناءه لا يرونه كذلك؟ لأن نجاحه نجاح ميكانيكي وغير انفعالي. إن حسن الاستماع للطفل يعتبر كذلك من أهم الركائز التي تبنيه انفعالياً، فحينما يتكلم الطفل يجب أن تنصت إليه بكل جوارحك، ومن حسن الاستماع أيضا أن تتساءل عند نهاية كلامه بما يشجعه على فتح حوار معك حول ما كان يقوله، في أسلوب مفعم بالحب والتقدير، ألا تلاحظ أيها الأب أن طفلك يذهب أحيانا إلى بعض أقاربك ممن هو أقل منك وعيا ويتركك لأن هذا القريب يقدم المطالب التي يريدها الطفل في الحديث، لا لأن عقله صغير، ولكن لأن نفسه أكثر سواء منك في التعامل مع الأطفال.إن من أهم وسائل بناء الطفل عاطفيا الانسجام والتناغم بين الأب والأم، فاختلاف المعايير والمقاييس بين الوالدين أمر يضر الطفل بشكل كبير، لأنه يسبب له التوتر، والطفل إذا توتر سلك سلوك الخطأ ولم يسلك سلوك الصواب. إن الأبحاث العلمية أثبتت أن من لا يتلقى حناناً وعاطفة في طفولته تصعب عليه محبة الآخرين وتقبلهم في المستقبل، فإذا تزوج لا يستطيع أن يحب زوجته وأولاده بشكل سوي، وإذا تعامل في مهنته لم يستطع أن يتقبل الآخر بسهولة، ومن هنا يبدأ الانطواء والانعزال الاجتماعي.