01 نوفمبر 2025

تسجيل

شخصية قلقة

11 سبتمبر 2013

قد يكون القلق من أكثر المواضيع التي تمت  دراستها وتم الاهتمام بها ,  ولعل ما يبرر ذلك هو أنه سمة مشتركة بين الكثير من الناس , وهو سمة لا تقتصر على شخصية بعينها، وإنما قد يكون حالة مشتركة بين العديد من الشخصيات . و بعيداً عن التصنيفات ينظر  للشخصية القلقة  على أنها تلك الشخصية التي تتبنى استجابة معرفية وربما سلوكية للحدث قبل اكتمال هذا الحدث , كما أنها تفتقر للنظرة المتأنية وتميل لإغلاق المواضيع بأسلوبها المنفعل المتسرع غالباً دون الدراية بأركان القضية وأبعادها . إن التوقعات السلبية هي خطوة تالية للتفكير القلق الذي يتلون بطابع الخوف والحذر وتوقع المخاطر ، و التوقعات السلبية هي انعكاس للرؤية القلقة التي يحتل التضخيم والتهويل وإعطاء الأمور أكبر من دورها وتأثيرها وحجمها الطبيعي قائمة نظرتها للأمور .  الشخصية القلقة تميل بطبعها إلى توقع الفشل وانتظار الحزن من مصادر قد لا تكون بالضرورة مسببة لذلك , إلا أن طابع الشخصية القلقة انتقائي في طريقة إدراكها للأمور , بمعنى أنها تركز على تلك المفاهيم السلبية التي تعكس شدة حرصها المفرط والذي يوصف بالحرص غير المنطقي والسلبي . إن الشخصية القلقة كغيرها من الشخصيات مزيج  من التفكير والمشاعر والسلوك , ويظهر هذا المزيج كحالة أو كسمة تتسم بها ردود الأفعال المختلفة . ينظر  للقلق في العديد من الدراسات  النفسية على أنه في بعض الأحيان محفز للنجاح , إلا أن القلق الحكيم من  وجهة نظري ليس بالضرورة أن يسبق الإنجاز , ولكن القلق الحكيم هو الذي يتم استثماره في توجيه الطاقة السلبية إلى  محفزات ومعززات لضبط الانفعال وتوجيه السلوك. إن الشخصية القلقة عملية بطبعها وتميل للعمل بجهد دون التفات للراحة أو المتعة ، و التلذذ الذي تستشعره تلك الشخصية  يأتي من درجة ما تحققه  من تمكن, علماً بأن التمكن الذي تنجزه قد لا يسعدها ، ذلك أنها لا تتقبل النقص أو النقد وتتطلع أن تحقق مستويات قد تفوق في التصور حدود البشر الطبيعية .  صاحب الشخصية القلقة ليس بالضرورة أن يكون مضطربا نفسياً ، إلا أنه شخصيته تفتقد التواصل بفاعلية مع المواقف , نتيجة إدراكها للتهديد بشكل متكرر وربما مستمر في بعض الحالات .  الشخصية القلقة تحرص على التمسكـ بالمبادئ والقيم ولكن بطريقة مزعجة بالنسبة لها مما يجعلها لا تعتد سوى بما تراه مناسباً ومتماشياً مع القيم ولكن بصرامة مقلقة لها وللآخرين . الشخصية القلقلة تعاني في علاقاتها، بالرغم أنها قد تتفانى في إيثار الآخرين على نفسها إلا أنها تتحاشى الخوض في العلاقات الاجتماعية خوفاً من الوقوع في الخطأ , كما أنها تخاف وتتجنب النقد مما يدفعها إلى الانعزال النسبي تحسباً لأي أخطاء قد تضعها في موقع الرفض أو عدم التقبل . وبالرغم أن كل ذلك ما هو إلا أفكار وهمية تفتقد النضج إلا أن صاحب الشخصية القلقة يؤمن بها وينطلق في حياته وتفاعلاته من خلالها , وهي تشكل عائقا كبيرا يزاحم توافقها المقبول مع الحياة . إن استبصار الفرد بسمات شخصيته يمنحه فرصة تفهم تلك السمات , كما يقوي في نفسه الرغبة في تحسين وتطوير سماته التي تمثله في المواقف المختلفة . حالات  القلق والاكتئاب قد يسهل السيطرة عليها أو التحكم بها في أغلب المواقف ولكن قد تقل تلك السيطرة أو تنعدم عندما تتمثل المشكلة في الطباع , فلا تكون الأزمة مجرد حالة عابرة ، و المشكلة التي قد تبدأ منها ومعها سمات الشخصية القلقة هو التفسير والتحليل العشوائي الذي يتبع مشاعر الخوف من المستقبل والخوف من الآخرين  والرغبة في الكمال والمثالية والتي تتصادم مع الواقع في زوايا وحالات كثيرة . لقد أشارت الكثير من الدراسات إلى أن أساليب التربية التي تعظم معنى الخطأ وتسترسل في استخدام العقاب , تنمي في نفوس أبنائها الخوف والصلابة وعدم المرونة مما يجعلها قاسية في إصدار الأحكام على نفسها وعلى  الآخرين ويجعلها متحفظة في ردود أفعالها وحذرة للدرجة التي تحد من شعورها بالاسترخاء والراحة وتحقيق السعادة في الحياة.