07 أكتوبر 2025

تسجيل

بين الشح والوفرة

11 سبتمبر 2013

يخلق الشح حافزا لإنهاء العمل. عندما يكون هناك موعد لإنهاء العمل. ولكن في حال كان هناك عمل ولكن دون وجود موعد محدد فإن العمل قد يمتد لفترات طويلة. تحديد الوقت يجعل من الوقت موردا ناضبا وشحيحا. مما يدفع الإنسان للحاق به ومحاولة إنهاء العمل قبل الموعد. الحروب كانت ولا تزال مصدر ضغط وتحديد الموعد قبل أن يداهمك العدو. فترتفع الهمة ويركز الإنسان قواه. من أجل أن يوفر الأسباب للنصر. وهذا الدافع الكبير كان عاملا مهما في الكثير من الابتكارات والحلول. منها على مثيل الذكر وليس الحصر. ما نسميه إستراتيجية. فقد دفعت الضغوط الجيوش إلى تبني التخطيط والإستراتيجية من أجل مباغتة العدو والتعرف على نقاط الضعف والقوة لديه ومن ثم وضع إستراتيجية. تقوم على نقاط القوة لدى الجيش وتمكن من ضرب نقاط الضعف لدى العدو. تلك هي الضغوط التي تسببها محدودية الموارد أو الوقت. إذا في حال كان هناك ندرة للموارد فإن الإنسان يتكأ على قدراته الذاتية وإمكاناته النفسية والشخصية. وأفضل مثال على ذلك هو اليابان فهي بلد بدون موارد كثيرة وتقع في جزيرة محدودة. ولكن هذه المحدودية حولتها اليابان من نقطة ضعف إلى نقطة قوه. وأصبحت بعد أن خسرت الحرب العالمية الثانية. ثاني اقتصاد عالمي بعد أمريكا. وبعد أن كانت تستقي دروسها من أمريكا. رجعت أمريكا لتأخذ الدروس منها. اليوم منطقة الخليج حباها الله بنعمة الطاقة. من نفط وغاز وتحويلها إلى استثمارات وملكية إستراتيجية في السوق والاقتصاد العالميين. هل ستؤدي هذه الوفرة إلى هدر لطاقات الأمة والشعوب، أم هل سيتم ترشيد الإنفاق والترف من قبل الأفراد والحكومات؟ فالأفراد وكما نرى اليوم يتسابقون على امتلاك الماركات العالمية ويتنافسون عليها. ويدفع البعض الألوف من الريالات لشنطة لا يمكن أن تصل تكلفتها إلى مئات الريالات. ولكن كل هذا حتى يدعي البعض أنه اشترى تلك الماركة أو تلك الماركة. ويعرف الشخص نفسه ويربطها بالماركة التي يحملها. ذلك القصور في نفوس البعض والاعتقاد أن الماركة هي من يعرفها وتعطيه المكانة. هي جزء من مرض نفسي يعاني منه البعض. فعندما يعاني الإنسان من الإحساس بالقصور وأنه ليس من المكانة ولا القيمة التي يرضى عنها. فإنه يسعى لتملك الماركة الأغلى ليدلل على مكانته. سد تلك الثغرة في نفسه وإحساسه بالقصور يدفعه إلى الهدر غير المبرر. فلا يمكن أن تكون تلك الشنط تستحق تلك الأسعار. وإذا كان الفرد يعاني من ذلك الإحساس فكيف ينطبق ذلك على الجانب العام؟ وهل يدخل العامل النفسي في اتخاذ القرارات الاستثمارية. وإلى أي حد وهنا كما يعلم الجميع تكون المنافسة في الأبراج ومن يملك البرج الأطول والأكبر. وهذه المسابقة تعم الأفراد والدول. ويقول البعض إن أفضل مؤشر على قرب أزمات اقتصادية. منها علو الأبراج ومدى انتشارها. والوفرة تؤثر على العائلات كما تؤثر على الدول. فالعائلات التي تتوفر لها الموارد ليس هناك ضغوط ولا تركيز من أجل اكتساب المهارات والمعارف وبذل الجهود المضنية من أجل تحقيق النجاحات. فتجد أن من لا يملك يضع نصب عينه أن كل ما لديه هو جهده وفكره وقدرته على أن يقدم ما يتفوق على الآخرين من جهد وحلول. ولذلك هناك مثل يقول "اوع على ما تطلب". فطلب الوفرة قد يؤدي للندرة. وكذلك الندرة تؤدي للوفرة من خلال بذل الجهد وبذل الفكر. عودة للشأن العام وكيف يمكن أن تتحاشى الدولة الوقوع في منزلقات أخطاء الإحساس بالوفرة. من فساد وهدر وضياع للوقت. ترشيد المصاريف وعدم الهرولة وراء كل ما يلمع. والتريث قبل تبني مشاريع وأفكار دون تمحيص وتدقيق فيما ينفع وما لا ينفع. التركيز على كل ما هو جوهري وليس للتظاهر ولفت الأنظار. بل تحديد الميزانية والموازنة في حدود تحفظ للدولة والأجيال القادمة القدرة على الاستمرار. وعدم التبذير ووضع ميزانيات هي أقرب للتقشف منها للهدر. مثل تحديد سعر الدولار للبرميل على مستويات منخفضة وهذا ما عملت عليه الدولة. الاتجاه نحو الاستثمار وليس الاستهلاك. وضع إستراتيجية للتصنيع والخدمات وتحسين البنية التحتية ورفع مستوى الخدمات الصحية والبحثية والتركيز على التعليم. وقد عملت الدولة بهذا. ولكن هل كانت المشاريع على مستوى الكفاءة وحفظ المال العام. نحن اليوم نمر بلحظات تاريخية الوفرة تحيط بنا. ولكن لم يكن الحال كذلك في الماضي القريب. ولذلك لابد من توقع أن تمر الوفرة وتأتي بعدها الندرة. في حال وضعنا البنية واستعدينا لتلك اللحظة نكون قد استفدنا من دروس التاريخ. فالوفرة لم تدم لغيرنا. ودون الندرة لا حاجة للاقتصاد فعلم الاقتصاد يقوم على محدودية الموارد. وشح الإمكانات وضيق الوقت وأهمية ترشيد الرؤى والميزانيات.