10 سبتمبر 2025
تسجيللو أبحرنا في الأدب العربي لوجدنا الشعراء يتغنون بالسفر، بل وجعلوه ترفيها، وهذا وارد في الجبلة الإنسانية، ومن مقومات الفطرة البشرية، يقول الشاعر: سافر تجد عوضا عمن تفارقه... وانصب فإن لذيذ العيش في النصب. حتى إن من شعائر الإسلام ماورد في الحديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى". ففي المسجد الحرام تقام شعائر الحج والعمرة، ومسجد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام نجد قبره وموطن قوم آزروه وأحبهم، والمسجد الأقصى مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، تتلاقى سائر الديانات. فهنا عيون للتنوع الحضاري من كافة البلدان. وهذا نوع من إحياء الشعور الإنساني الفياض الذي يجمع بين الترفيه والعبادة، وقد برزت في مدوناتنا التاريخية رحلات ومما اشتهر رحلة العلامة الرحال ابن بطوطة، الذي سافر بين العواصم، والشعوب مدونا بذلك فكرا يضيف قيمة للأدب العربي، على الرغم من وجود ملاحظات تاريخية نقدية على بعض ما أورده في رحلاته. كما يعد السفر ديوانا للعقل ومن خلاله يفتح نوافذه على العالم، وربما تتزلزل القناعات، وتتغير الأفكار. وقد حرص العصر على احياء الرحلات، والترفيه، بل بات أمرا تبنى عليه اقتصاديات دول بحيث يمكن وصم هذا العصر [رحلة وإجازة وبحث عن الترفيه]. ولذلك تتسارع وتيرة الإعلام المرئي، والإغراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها إلى تحفيز المغادرة، وترك البلاد لزيارة أماكن ترفيهية أخرى. الحقيقة من وجهة نظري أجد أن السفر إذا كان للوجاهة كان سرفا وإتلافا، فكثير من الذين يبحثون عن الوجاهات يقعون في الطامات، والملمات بسبب الإسراف الكثير في المظاهر والصورة. أما إن كان السفر لتجديد الروح، والبحث عن معنى، فربما كانت رحلة الى منتزه في مدينتنا نفسها تؤدي نفس الغرض في الرحلة. الجغرافيا بعدها أو قربها لا يصنع وجاهة للإنسان كما لا يصنع سعادة. السعادة شعور يتعمق بمقدار القناعة، ومن هنا فإن اختياري للسفر، والرحلة يكون من مدى احتياجي للتعرف أو فتح آفاق جديدة توسع مداركي للعالم. إن السفر الحقيقي هو الذي ينقل الشعور من حالة الى حالة أخرى أفضل منها. لذلك السفر الناجح هو السفر الذي يغير المشاعر للأفضل، ولا يعتمد بذلك على المكان الجغرافي، والزمان وفترة السفر إن طال أو قصر، السفر ليس غاية في حد ذاته، انما هو احتياج أو نوع من الاختيار الذي يرى الانسان ذاته من خلال تعدد الأماكن والصور، فالإنسان مبني على التقلب في المزاج والسفر يغير المزاج إن أراد الانسان ذلك. ربما يختم على جواز السفر توجهنا لدول أخرى، ولكن يختم على قلوبنا عدم السعادة بها، فالمهم البسمة في القلب، والنسمة للضمير، فالمشاعر في السفر تحكمها عوامل ذاتية. في النهاية تعد الهوية الشخصية والثقافة العامة للمجتمع هي جواز مرورنا الحقيقي للمجتمعات الأخرى. السفر لذة وتعب وقطعة من الشقاء وعافية ونافذة للتغيير.