19 سبتمبر 2025
تسجيللمن المحزن أن مرحلة انتخابات الشورى تصاعدت فيها الخلافات الاجتماعية وارتباطها بمسألة الأصالة. بل تصاعد الخلاف أدى إلى تداول مصطلح الأصالة على المواطنة، فأيهما أبقى وأيهما سائد بين سائر أطياف المجتمع بشكله المدني؟! وبالعكس، التمسك بمفهوم المواطنة يعني الصمود والولاء للمصطلح والذي سينعكس على أجيال قادمة ستكون لها أحقية الأصالة بسبب تلك المواطنة. نستيقن فرط الحساسية الذي ساد بين المفهومين، ولكن الأولى أن لا تهتز المشاعر على مصطلح لا يأتي كأولوية أو أفضلية على مظلة لمفهوم المواطنة الأسمى. بل هذه المقدمة تكفي أن تكون طمأنينة بأن كيان الوطن لا يهتز بسبب مصطلح لن يطغى على مصطلح أسمى منه. وبلا شك بأن الوطن يتسع الجميع، يقدم عطاءه للجميع والذي يضمن حقوق المواطنة والمساواة بحسب الدستور للجميع، فكيف تتصاعد هذه التفاوتات الاجتماعية تزامناً مع مجلس شورى منتخب! بل يأتي هذا المجلس في عقوده المستقبلية ليكون بإذن الله المنصة الإصلاحية بكفاءات تحمل المجتمع وحاجاته في قلوبها، فكرها وهمها. ومن هذه المقدمة، ليس لي إلا أن أستمر في إعادة شرح المواطنة والتي هي غير متأصلة على سياق واحد. إنما هي جذور وامتدادات تاريخية لا تمنح أفضلية لطرف ضد آخر، ولا تعطي أولوية لحقبة تاريخية عن أخرى، إنما هي امتداد تاريخي، اجتماعي وإنساني، بنى من خلاله الإنسان حضارته دون تلك القيود السياسية أو الحدود الجغرافية التي جعلته محدود الحركة السياسية ومقيد بجواز سفر. فالنجوم كانت الدلائل للسفر والترحال، والآبار كانت المستقر للعشائر، أما البحر فكان الفضاء والتجارة والثقافة والتنوع. كل تلك الأساسيات لعبت الدور الرئيسي لصقل مفهوم الهوية والمواطنة التي بدأت تتمدن مع عصر البترول ونهضة بناء الدولة في منطقة الخليج العربي. فالتشكيك ليس في محله اليوم بالتحديد حول المواطنة، إن ظل المبدأ حبيس السنة التي حددت مصير من كافح بحثاً عن لقمة العيش بين البر والبحر من دون حدود تمنع عن الاستقرار أينما يكمن القوت! وهنا أستذكر منظور المواطنة في الخليج العربي للباحث خلدون النقيب رحمه الله، حينما أكد على أن العامل الاقتصادي في منطقة الخليج لعب الدور الأساسي لتشكيل المواطنة. فالطرق التجارية الطويلة كانت المدخل الأساسي للغرب لتحقيق تلك الحدود وبناء القومية الوطنية مع تزامنها في ظهور النفط في الخليج. ولا تختلف الباحثة كلثم الغانم أيضاً من هذا المنظور، إذ تؤكد على أهمية نمط الإنتاج الذي ساهم في التكوين الاجتماعي في دولة قطر من خلال بناء طبقات اجتماعية بناء على الأكثر نفوذاً ممن يملك أدوات الإنتاج مقارنة فيمن يعمل بالإنتاج – حتى وإن كان الإنتاج من غير فائض حينها، إنما الأدوات كانت مصدرا للقوة والتي تميز طبقة اجتماعية عن أخرى. فالمحمل الواحد كنمط إنتاجي كان رمزاً للتنوع الثقافي وحياة ما بين المدن والبلدان، البعيد منها والقريب. لذلك لا صلاحية إيجابية للتطاول والتعالي على مصطلح الأصالة، ولا تشكيك في مواطن اليوم الذي أكمل مسيرة الأولين بارتقاء مبدأ المواطنة وعمله وكفاحه باختلاف نمط الحياة وانتقالها بشكلها المعاصر، بل ومواكبة هذه النقلات يأتي من عطاء وطن لمخرجات صقلت مواطن معاصر اليوم، بل وتمكين الوطن له بالأصح فكراً ومعرفياً. فمواطن اليوم ليس إلا مخرجات ناجحة من وطن معطاء، يتوقع الوطن منه الولاء والإخلاص في العمل وتصدي أعداءه، في المقابل يتوقع المواطن من الوطن الحفاظ على النسيج الاجتماعي والعدالة والمساواة لمفهوم المواطنة، تفادياً لتلك المفارقات التي برزت مصطلح الأصالة وهزت مشاعر المواطنة من خلالها. [email protected]