19 سبتمبر 2025
تسجيلمما جاء عن ابن سيرين أن سأله سائل عن إحسان الظن بالغير وكيفية التعامل مع النفس البشرية وسياستها والتعامل معها فقال: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد له عذرًا فقل: لعل له عذرا.. فهم راق وقمة في أدب التعامل مع المخطئ، لا أجد أروع ولا أرقى من هذا الفهم المتقدم لطبيعة النفوس وكيفية سياستها، إن بحثنا عن أسلوب للتعامل مع الآخرين اليوم، في عالم بشري تتشابك مصالحه وتتعقد كل يوم.. لقد سبقنا الأولون إلى هذا النوع الراقي من الفهم دون كثير تعمق في علوم النفس الإنسانية، أو دراسات وأبحاث في علم النفس البشري، وأحسبُ أن الحاجة لمثل هذا الفهم هو الذي نحتاجه في زمننا هذا أكثر مما مضى، فكلما تشابكت المصالح وتنوعت العلاقات وظننا أنها ستقربنا إلى بعضنا البعض، رأيت أخلاقيات سوء الظن تسيطر على الأجواء، حتى أصبح الأصل في علاقاتنا هو الشك وليس إحسان الظن! حين تسيء الظن بالغير فإنك كما لو دخلت قلبه وعرفت نيته.. ومن حقائق الحياة أنه لا يعلم النيات إلا الله، وليس في هذا أدنى شك، فكيف إذن يتجرأ أحدنا أحيانًا ويسيء الظن بغيره، دون بينات واضحات، أو أدلة عملية لا مجال للتشكيك في صحتها، فيتورط تبعًا لذلك، في علاقاته مع الغير وهو في غنى عن مثل تلك التوريطات؟ إذن لكي تحافظ على علاقاتك مع الآخرين هادئة متزنة، بل وتكسب أكثر وأكثر من الأصدقاء والمعارف، حاول بكل ما أوتيت من طاقة صبر وأخلاق، وتقديرًا لمجهود والديك في تلقينك وتربيتك على الأخلاق الفاضلة، ألا تتورط في هذا الخُلق غير الحضاري، وترفّع عنه بكل الطرق، وحين تغلبك نفسك وتجدها مندفعة لإساءة الظن بشخص ما، وتحت أي نوع من الضغوط البشرية وغيرها حولك، تذكر قول ابن سيرين وقل: لعل له عذرًا، لعل له عذرًا.. وهكذا حتى سبعين عذرا.