12 سبتمبر 2025

تسجيل

أمريكا في مواجهة السنة!

11 أغسطس 2014

هذا العنوان اختصار سطحي لفهم السياسة الأمريكية بالمنطقة خصوصا بعدما قامت بقصف داعش بشمال العراق، وتفسير السياسة وفق النظرة الدينية هو الأسهل دوما، أما التعمق والغوص في أبعاد السياسة ومحاولة تفسيرها وفق المنطق العقلاني فهو مسألة صعبة، بل ومعقدة يصعب فهمها وبالذات في منطقتنا.يدعم أصحاب تفسير "أمريكا في مواجهة السنة" برفضها وتلكؤها بقصف نظام بشار الأسد الذي قتل البشر ودمر الحجر واستخدم الكيماوي والطيران والبراميل المتفجرة ضد المدنيين العزل، لأن أغلبهم من أهل السنة، بينما قصفت أمريكا داعش لأنهم من أهل السنة وهم في مواجهة مع شيعة المالكي ومن ورائه إيران الشيعية. علينا أن نتفق على عدة أمور: داعش لا تمثل السنة- هكذا يقول إعلامنا الرسمي وفضائياتنا ومشايخنا ـ قد يكون القول شيئا والواقع شيء آخرـ لكن هذا هو المعلن رسميا (راجع مقال الكاتب الأسبوع الماضي بعنوان "كلنا داعش")، بل كثيرون بيننا يؤمنون أن داعش صنيعة أمريكية- إيرانية وبالتالي فما لنا "نحن السنة" إن قصفت أمريكا صنيعتها؟ داعش تقتل السنة وكل الآخرين الذين يختلفون معهم، وبالتالي فإن إيقافها وقصفها وإزالتها هي لمصلحة الجميع- سنة وشيعة وأكراد ومسيحيين وأزيدية وبشر، بغض النظر عمن يقوم بهذا العمل، وحتى لو لم تقصف أمريكا نظام بشار المجرم أو توقف حرب الإبادة الإسرائيلية بغزة، فعدم القبض على كل المجرمين، لا يعني أن نفتح أبواب السجون لمن هم بداخلها.ثانيا، لم تقصف أمريكا داعش لأنهم سنة، ولا لأنهم هددوا نظام المالكي الشيعي، ولكن لأنهم هددوا الكيان الكردي الذي يؤوي شركات النفط العالمية الغربية، ولاقترابه من اربيل- عاصمة كردستان والمركز المهم في المخطط الغربي والأمريكي لإعادة رسم خارطة المنطقة، والركيزة المهمة في تشكيل خارطة دويلات الطوائف المحيطة بإسرائيل والتي تضمن أمنها الاستراتيجي كدولة لليهود ضمن فسيفساء دويلات طائفية ودينية مختلفة: دولة كردية وأخرى شيعية وسنية وعلوية ودرزية ومسيحية وهكذا. والأكراد ليسوا طرفا في هكذا مخطط، فمطالبهم بحق تقرير المصير سبقت حتى قيام دولة إسرائيل، ومسعاهم لقيام دولتهم التي ابتلعها الفرس والعرب والأتراك، ليس مرتبطا بأي مخطط، وهم على استعداد للتوافق مع أي سياسة ستحقق حلمهم لقيام دولتهم حتى ولو عنى ذلك التعاون مع إسرائيل- وهو تعاون قائم. سيتفاجأ أصحاب نظرية "أمريكا في مواجهة السنة" لو علموا أن أكثر الأطراف هلعا من قصف أمريكا لداعش هي تركيا وإيران، وبالذات إيران التي لا تريد عودة أمريكية للعراق دون التنسيق معها، ولا تريد القضاء التام على داعش لأنها عنصر احتراب طائفي هام في هلع شيعة السياسة العراقيين الذين سيرتمون بأحضان إيران أكثر، فظهور داعش جعل مطلب المالكي بتدخل إيران مطلبا "مقبولا ومنطقيا" لدى معظم الشيعة السياسية بالعراق، كما أن بقاء داعش يعني ابتعاد الأكراد عن تحقيق حلم دولتهم الذي سيعني لو تحقق مشاكل لا حصر لها لكل من إيران وتركيا، هناك مصادر تذكر أن تفاهمات سرية تجري بين داعش والأتراك لعدم الصدام بينهما. يرى بعض محللي الولايات المتحدة أن قصف أمريكا لداعش يندرج ضمن سياسة تخبط إدارة الرئيس أوباما، وقد يكون في ذلك جزء من الصحة، ولكنه أيضا يندرج ضمن حماية أهم مركز مستقر لمصالح أمريكا بالعراق- وهو كردستان العراق. أنقذت أمريكا الكويتيين السنة-في الغالب- عام 91 من بطش صدام "السني" بنظر أصحاب نظرية "أمريكا ضد السنة"، وأنقذت الأكراد "السنة"في الغالب من نفس الخطر الصدّامي السني بنفس العام، بل أنقذت سنة البوسنة من الإبادة على يد مسيحيي الصرب، ووقفت مع الإخوان المسلمين "السنة" بمصر وعاقبت الجيش المصري لمساندته ثورة يونيو 2013، وترتبط بعلاقات مميزة جدا مع أهم دول "السنة" بالخليج العربي، ولو كانت أمريكا تسير وفق بوصلة محاربة السنة وحسب لبدأت من الخليج، ومن يدري؟ فقد يدور الزمان دورته، وتتغير بوصلة المصالح الأمريكية ونجدنا في مواجهتها يوما لأن مصالحنا تضاربت وإياها- ليس لأننا في الغالب سنة بالخليج، ولكن لأن مصالحنا قد تدفعنا نحو ذلك، مثلما دفعت المصالح الأمريكية طائرات الـ إف 18 لقصف داعش!!