17 سبتمبر 2025
تسجيلاختلاف ثقافة الشعوب لا يصنع الفرقة بينهم غالباً بل يوحد مضامين الحياة والعيش المشترك بين الجميع , فسمات البشرية واحدة تضمنها فطرتهم وتبادلهم المعرفي والثقافي عبر تاريخ طويل حيث لم تبخل جموع البشرية على بعضها بالمعطيات والاكتشافات فلم يحتكر السومريون مثلاً اختراع العجل قبل 4 آلاف عام قبل الميلاد بل كانت معرفته واستخدامه متاحة لكل الأمم بعدهم , ولو فعلوا ذلك لربما أصبح لبلاد الرافدين مورد من كل عجل يصنع في مناحي العالم حتى اليوم , وغير ذلك الكثير من المستجدات التي طورها الإنسان في كل مكان وزمان باعتبار معطيات الفكر البشري ملك لكل البشر , ولكن لزماننا هذا ظروفه في صناعة الاحتكار و تجيير المنجزات والمخترعات لمنتجيها فقط وربما لهذا قوانينه وأنظمته في عالم اليوم باعتبارها مكتسبات ترتبط بالفكر والجهد , سوى أن سمات النفس البشرية الفطرية لا يمكن احتكارها أو حتى مجرد اختزالها في جماعة أو أمة فالإنسان شريك لأخيه الإنسان في قيم الكرم والتسامح والأدب وغيرها من الصفات الإيجابية وحتى عكسها من الصفات تجدها موزعة بين الأمم بالتناسب تبرز في أمة وتختفي في أخرى تبعاً لسلسلة معتقدات وظروف منوعة تلازم حياة الناس , في أمريكا مثلاً وتحديداً بين قبائل السكان الأصليين الذين يسمونهم الهنود الحمر هناك الكثير من العادات والقيم والممارسات الشبيهة بمجتمعات أخرى قديمة في شرق الصين أو الجزيرة العربية , فحين نفتخر نحن العرب بالكرم وإغاثة الملهوف ونصرة الضعيف ونحسبها صنيعة خاصة لنا هناك بينهم مثل هذه العادات المتوارثة التي يقاتلون من أجلها , فيسمون التعايش مع الطبيعة ومجمل مكوناتها في محيطهم " شتاكيندي " حيث يغالون في الحفاظ على موجودات مكونهم من بشر و دواب وحتى أشجار وثقافة ويحرصون على تناقلها بين أجيالهم بما يحفظ هذه العادات , ويذكر لنا أحد المهتمين بثقافة الهنود الحمر في موطنهم بولاية نيومكسيكو وتحديداً في المدينة العاصمة للولاية " الباكيركي " أن الحكومة الفيدرالية خططت لبناء سد " كوتشي " لحجز المياه في تلك المنطقة وشرعت في البناء متحدية ثقافة المجتمع المحلي الذي يأبى تغيير معالم محيطه التي توارث الحفاظ عليها أجيال بعد أجيال معتبرين أن السد سيدمر ثقافتهم ومنهج حياتهم المعتمد على الزراعة في الصيف والصيد في الشتاء وعادات صلواتهم السنوية وادعيتهم لجلب المطر والتعايش الفطري مع البيئة, إلا أن السد الذي نُفذ في السبعينات ويدار ضمن جهود فيلق المهندسين في الجيش الأمريكي قد غير فعلاً معالم المكان ومجاري المياه ومعه تغيرت سلوكيات الناس وظل عزوفهم مستمرا عن مجرد التعاطي معه كمنجز حضاري في المنطقة رغم التعويضات المالية التي دفعت لهم ورغم حضور شخصية كبيرة من الجيش الأمريكي وهو الكولونيل " مد كيف " لمجرد تقديم الاعتذار للسكان , إلا أن قبائل الهنود هناك مستمرة في امتعاضها وحذرها من التعاطي مع هذا السد لمجرد المحافظة على موروثهم وعاداتهم وطرق الري عندهم وصلواتهم جلب المطر , عموماً قبائل الهنود الحمر وهم من يعرف بالسكان الأصليين هناك في القارة الأمريكية يعتقدون بأنه قد سلبت منهم الكثير من الحقوق بوصول المكتشفين والمستعمرين ثم تنامي الفدرالية في بلادهم و يشير أحدهم إلى لون الأرض في منطقتهم مؤكداً أنها تخزن خيرات كثيرة تعايشوا معها طويلاً بسلام تحت شعار " شتاكيندي " أملاً في أن تعود على أجيالهم بالخير العميم, سوى إنها حركة التاريخ وسطوة السياسة ومصالحها كما يشير والتي غدت المحفز الأكبر لقلب ثقافة الشعوب وميولها نحو الاستشراء من أجل المادة على حساب القيم والعادات .