15 سبتمبر 2025
تسجيلبعد خروجه من أداء صلاة العيد في جامع السليمانية في اسطنبول ذكر رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان أنه تطرق في مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الوضع في مصر وسوريا. وكان لافتا قوله إنهما اتفقا على مواجهة الجماعات المتشددة، وأعطى مثلا على ذلك تنظيم "القاعدة" وجبهة النصرة و "حزب الاتحاد الديمقراطي" السوري الكردي الذي يتزعمه صالح مسلم. ومع أن الخيوط على الحدود التركية السورية متداخلة وتعج بمختلف المسلحين من كل المنظمات، غير أن الإشارة إلى الحزب الكردي في سوريا يحمل دلالات كثيرة تشير إلى أن تركيا أمام تحديات متعددة فيما يتعلق بالمسألة الكردية ليس في سوريا فقط بل أيضاً في داخل تركيا. في السنوات الماضية كان الموقف التركي من تقسيم العراق سلبيا لأنه سيحمل إقامة كيان كردي تحت مسمى الفيدرالية أو الدولة المستقلة وكانت أنقرة تعتبر ذلك "سببا للحرب". غير أن التوازنات التي رافقت الغزو الأمريكي وتلته لم تساعد تركيا على الثبات عند موقفها. وعندما برز الخلاف بين أنقرة وحكومة بغداد بسبب الحرب في سوريا لم تتردد تركيا في الاعتراف الواقعي والعملي بالفيدرالية الكردية في شمال العراق ووقّعت معها اتفاقيات نفطية واقتصادية من دون المرور بالحكومة المركزية في اعتراف جوهري بتقسيم العراق. وهذا التحول وإن كان يوفر لتركيا بعض المكاسب الآنية سياسيا واقتصاديا وبعض أوراق الضغط في القضايا الإقليمية، غير أنه يعمل ضد المصالح التركية وأولها وحدة الأراضي التركية. ذلك أن كرة الثلج الكردية المتعلقة بحقوق الأكراد وسعيهم لبلورة هوية خاصة بهم وصولا إلى مرحلة الاستقلال الكامل، تكبر استجابة لحتمية تاريخية ودفق تاريخي اسمه "المسار الكردي" خصوصا أن الأكراد هم من أبناء هذه المنطقة الأصليين والأصيلين ولهم دور مهم ومشرّف في التاريخ العربي والإسلامي ويتواجدون في بقعة جغرافية واضحة ومتصلة وعددهم يقارب الـ 25 مليونا أي إنهم يمتلكون كل عناصر إقامة كيانية مستقلة خاصة بهم. إن أي تحول في وضع أي قسم من كردستان الكبرى الموزعة على العراق وإيران وسوريا وتركيا يترك أثره على الأقسام المتبقية خصوصا كما ذكرنا مع الوحدة الجغرافية لكردستان. وعندما قامت الفيدرالية في العراق تطوّرت إلى ما يشبه الدولة المستقلة. ذلك أن الفيدرالية التي تنبثق من مركزية ليست سوى خطوة نحو الاستقلال. وشكّلت فيدرالية الأكراد في شمال العراق نقطة جذب ومركزا لتحركات الأكراد في كل المنطقة. فيها تنعقد المؤتمرات الإقليمية الكبرى للأكراد بل فيها أيضا، في جبال قنديل، التجمع الرئيسي لمسلحي حزب العمال الكردستاني التركي. ومع أن المسألة الكردية في تركيا عرفت مساعي للحل في الأشهر الأخيرة غير أن هذه المساعي تصطدم بعقبات زادت منها المستجدات في سوريا حيث برزت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي هو الرديف السوري لحزب العمال الكردستاني على مناطق كردية واسعة في شمال سوريا ودخل في مواجهات مع معارضيه سواء من جبهة النصرة أو من الجيش السوري الحر كما مع قوات النظام. وهو يتقدم ليقيم إدارة ذاتية لتكون الأولى تحت سيطرة حزب مؤيد لحزب العمال الكردستاني. ومع أن تركيا تحاول استيعاب الصدمة بدعوتها زعيم الحزب صالح مسلم إلى اسطنبول غير أن إنذارا وجّهته قيادة حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل إلى أنقرة بضرورة الاستجابة لمطالب الأكراد في تركيا بحلول الأول من سبتمبر المقبل يلقي ظلالا من الشك في إمكانية استمرار "عملية الحل" للمسألة الكردية في تركيا في ظل تعذّر تحقيق المطالب حتى ذلك التاريخ وهي مطالب تتطلب انعقاد البرلمان التركي وليس هناك من إجماع عليها في الداخل التركي. كما أن زيارة صالح مسلم إلى إيران بناء لدعوة وجهتها له طهران تجعل من الصعوبة أن يتحول حزبه إلى أداة بيد تركيا. في نظرة إلى المشهد الكردي العام في منطقة الشرق الأوسط في ظل الاضطراب الكبير الحاصل في المنطقة وبلوغه مستويات عالية من الأحقاد والانتقام التي تفتت المجتمعات على أسس مذهبية ودينية وعرقية، فإن "المسار الكردي" يواصل تقدمه لإعلان كيانيته المستقلة(التي ستستغرق سنوات) عاكسا بذلك فشل سياسات بناء الدولة الوطنية وتحقيق المواطنة المتساوية بين أبنائها في كل بلدان العالمين العربي والإسلامي دون استثناء. والنتيجة الحتمية والطبيعية هي هذا المشهد الدموي والثأري التي تمارسه الجماعات في هذه الدول ضد بعضها البعض. ومهما حاولت أنقرة وغيرها من الدول التي فيها أكراد الالتفاف على المطالب الكردية فإن دفق التاريخ الذي بدأ في شمال العراق لن يتوقف.