31 أكتوبر 2025
تسجيلما يقرب من سبعة عشر شهراً، تاريخ الانتفاضة الشعبية في سوريا، وكلّ لبناني يضع يده على قلبه، مترقبا وحذراً من انتقال العدوى إلى لبنان.. ليس عدوى الانتفاضة على نظام طائفي متجذر في اللاوعي اللبناني، وعمره يفوق عمر لبنان بصيغته الحالية أصلاً، وإنما عدوى الاقتتال والانفلات الأمني القادم من سوريا.. وعوامل التفجير وانتقال العدوى كثيرة، بل إن البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحالية تعتبر مثالية لانتقال هذه العدوى إلى لبنان، لكن الحمد لله أيّا من ذلك لم يحصل على الأقل حتى كتابة هذه السطور. ربما لم يلتفت كثيرون منا لحدث الاقتتال الذي حصل بين عائلتين لبنانيتين من القرى الحدودية مع سوريا قبل عدة أيام، على خلفية محاولة إدخال جريح سوري إلى لبنان.. طبعاً الخلاف الذي تطور إلى اشتباك وعملية خطف بين العائلتين جاء على خلفية ولاء أحدهما للنظام السوري وهي عائلة شيعية تعارض إدخال الجريح إلى لبنان، والأخرى سنية، موالية للجيش السوري الحرّ كان تسعى لنقله للعلاج داخل الأراضي اللبنانية. من هنا تتجلى لنا صورة الاحتقان المذهبي والفرز السياسي القائم على أساس من يوالي النظام السوري ممّن يعاديه، وهذا الفرز لم يعد حكراً على التيارات والأحزاب السياسية، وإنما تغلغل إلى الطوائف نفسها، فأصبح الولاء للنظام السوري من عدمه يرتكز بدرجة كبيرة منه على معتنقه الديني.. هذا ليس على الإطلاق، إلاَ أنه الأغلب دون خلاف في هذا المجتمع. يوم الخميس الفائت، تمّ توقيف وزير الإعلام الأسبق ميشال سماحة، أحد أكثر السياسيين ولاء للنظام السوري في لبنان.. التحقيقات لا تزال جارية معه، إلاّ أن ما تمّ تسريبه لوسائل الإعلام أشار إلى ضبط كميّات كبيرة من العبوات الناسفة مع صواعقها في أماكن تعود ملكيتها له أو تحت إشرافه كان في طور التخطيط لأعمال إرهابية كبيرة في الشمال وعكّار الخزان السني الكبير والحاضن الأكبر للاجئين السوريين والمناهض المطلق للنظام السوري. تفيد التسريبات أيضا أن النظام السوري وأنصاره في لبنان يمارسون ضغوطا على رئيس الجمهورية للإفراج عن الوزير المتهم، وتبرئته من جميع التهم الملصقة به.. وسواء كان ذلك صحيحا أم لا، إلاّ أنه يترك علامات استفهام كبيرة، ليس من حيث توقيت التوقيف، وإنما لما سيكون له من تداعيات على لبنان ككل. "هناك من يريد تفجير الوضع في لبنان.. وهناك من يعمل ليل نهار على هذا المخطط ". كلّ سياسي يصرح بذلك، لكن الجهات المتَّهمة تختلف بحسب الخلفية السياسية التي جاء منها السياسي المحترم. فإذا كان من قوى 8 آذار، فيرى أن إخفاق قوى 14 آذار مع دول الخليج المعادية للمقاومة في إسقاط النظام السوري بعد 17 شهرا من توريد الجماعات المسلحة من تكفيرية وغيرها إلى سوريا، دفعها للجوء إلى الخطة "ب" التي تقضي بضرب محور المقاومة عند طرفه، أي لبنان، الذي يشكل خاصرة رخوة، تمهيداً لإقصاء الجيش وتفتيت الدولة، وصولا لخلق منطقة عازلة في شمال لبنان، لإعادة الكرة إلى الملعب السوري في هجوم جديد. أمّا إذا كان الرجل السياسي من قوى 14 آذار ، فيرى أن النظام السوري وعملاءه في لبنان هم من يريدون تفجير الوضع، وخلق بلبلات لتخفيف الضغط عن النظام السوري، وخلط الأوراق، وإشاحة نظر المجتمع الدولي عن المجازر المرتكبة في سوريا إلى ما سيحصل في لبنان، إذ إن قوى 8 آذار بيدها الحكومة، وبيدها السلاح، وهي قادرة على الربح في أي لعبة أمنية قد تقرر لعبها في البلد. لن أناقش جديّة ومصداقية أيّا من التحليلين السابقين، بل ما يلفتنا في الموقفين أصلاً، أن إجماعا سياسياً لبنانياً، إذا صح التعبير، يُقدّر جازماً أن مخططا يُهيئ للبنان لضرب استقراره وأمنه، وإن تناقضت التحليلات حول هوية وانتماء من يقف خلفه! والسؤال الأبرز هنا: إذا كانت هذه المعلومات متوفرة للجميع والكل حريص على لبنان، فلماذا لا يُجهض المخطط قبل تنفيذه؟ ربما التحقيقات النهائية مع سماحة وغيره قد تجيب على كثير من الأسئلة المطروحة؟!