19 سبتمبر 2025
تسجيلتتقدم منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد الجغرافيا الإسلامية نحو قدرها الذي لم تحسن التخلص منه. إذا استثنينا دولة الكيان الغاصب إسرائيل، فإن المعارك والحروب والفتن والمؤامرات المتنقلة تشمل فقط العالم الإسلامي. من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى السودان وصولا إلى جنوب الصحراء الكبرى ولاسيَّما في مالي. تتعدد أسباب "الاضطراب الكبير" الذي يموج في العالم الإسلامي ويهز بنيانه. ولا يقتصر الاضطراب على الدول المذكورة بل تشارك فيه دول أخرى إسلامية منخرطة أو متورطة أو مدفوعة إلى أمكنة لا يجب أن تكون فيها. وآخر مثال على ذلك ما حصل من عملية عسكرية مريبة تبنتها مجموعة إسلامية لا تخدم في هدفها سوى المزيد من تشديد الحصار على غزة وأول الغيث هو سعي القاهرة لتدمير شبكة الأنفاق التي تربط بين غزة ومصر والتي تعتبر شريان الحياة والتي لم تستطع منظمة تضم أكثر من خمسين دولة إسلامية اسمها منظمة التعاون الإسلامية أن تكسر شبرا من الحصار الإسرائيلي على القطاع وأهله. إذا ألقينا نظرة على تطور واقع العالم الإسلامي منذ عدة عقود نجده إلى تراجع. يفتقد المسلمون إلى المناعة لقول "لا" للعالم الخارجي الغربي تحديدا. وتحول المسلمون إلى أدوات وبيادق في رقعة شطرنج تتناوب على التحكم بها قوى كبرى. وبعد أن تقسم العراق إلى فيدراليتين وأصبح السودان دولتين هاهي سوريا أمام خطر حقيقي للتقسيم وفي أحسن الأحوال أمام فوضى تستنزف كل القدرات السورية بمعزل عمن يحكم أو يعارض. دائما كانت عين الاستعمار على تدمير أي قوة إسلامية أو عربية ناهضة. وبعد أن أصبحت الدولة العثمانية رجلا مريضا تنتظر الوقت المناسب لتقاسمها جاء محمد علي باشا ليوحد مصر وسوريا ويدخل البلاد في أول نهضة عربية حديثة وجدية على أكثر من صعيد. ولم تتأخر بريطانيا وبتراخٍ فرنسي في النهاية عن تدبير مؤامرة ضرب هذه التجربة في العام 1840. وفي العصر القريب لم تنم القوى الاستعمارية عن تدبير الخطط لضرب التجربة الناصرية في مصر التي كانت بمثابة النهضة العربية الثانية. ونجحت في ذلك مع عدوان 1967. ومنذ ثلاثين عاما وإيران التي تسعى للاستقلال بقرارها تتعرض لشتى الضغوط والتهديدات ولاسيَّما من الولايات المتحدة وإسرائيل لمنعها من امتلاك التكنولوجيا النووية والقدرات العسكرية. وننظر اليوم إلى سوريا فنجد قوة إسلامية كبرى أخرى تتعرض لمؤامرة غربية رغم أنها عضو في حلف شمال الأطلسي وهي تركيا. فما نراه اليوم من نتائج المعركة على سوريا أن تركيا بدأت تتحسس من أنها كانت موضع توريط في المسألة السورية. فالموقف الإنساني لا يختلف عليه أحد لكن العالم يعترف في النهاية بالنتائج والحصاد على الأرض. وحصاد الموقف التركي اليوم بات سلبيا إلى حد كبير.علاقات متوترة مع كل جيرانها المباشرين دون استثناء في عودة مأساوية إلى ما كان عليه الوضع قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. لكن الأكثر كارثية على تركيا هو ظهور العامل الكردي في شمال سوريا كامتداد للاعب الكردي في منطقة الشرق الأوسط أو بعبارة أدق في المربع العراقي الإيراني السوري الكردي. وهو عامل بات يضغط يثقل على وحدة الأراضي التركي انطلاقا من أحد لا يمكنه إعادة عقارب الساعة الكردية إلى الخلف. وبات حتى حزب العمال الكردستاني أقوى من أي وقت مضى إذ إن قواعده باتت تمتد من جنوب شرق تركيا، قاعدته الأساسية، مرورا بجبال قنديل، شمال العراق وفي حماية إقليم كردستان العراق، وصولا إلى الشمال السوري. وبهذه الخريطة الجديدة التي تفتح على مخاطر كبيرة على مستقبل تركيا ووحدتها واستقرارها فإن العالم الإسلامي يواصل كونه ساحة للمؤامرات الغربية التي تهدف إلى إضعافه وتفتيته ولو كانت إحدى دوله تخدم حلف شمال الأطلسي ليل نهار مثل تركيا. وبات كل محلل أمام تصور سهل للمخاطر: حيثما تصعد قوة إسلامية فإنها ستكون الساحة المقبلة للفتنة التي يخرج منها رابح واحد هو إسرائيل.