19 سبتمبر 2025

تسجيل

المأزق السياسي في تركيا

11 يوليو 2015

انتهت الانتخابات النيابية التركية في السابع من يونيو الماضي إلى صورة ضبابية معقدة لا يعرف كيف ستنجلي لاحقا.الانتخابات كانت واضحة في أن حزب العدالة والتنمية قد أخفق في الاحتفاظ بالغالبية المطلقة ولم يعد قادرا على الحكم منفردا.وفي المقابل، فإن أحزاب المعارضة الثلاثة حصدت مجتمعة الغالبية المطلقة. ولكنها غير قادرة على تشكيل حكومة بمفردها إلا باجتماع أحزابها الثلاثة معا. وبما أن حزبين منها هما الحركة القومية (التركية) والشعوب الديمقراطي(الكردي) لا يمكن أن يجتمعا في حكومة واحدة فإن المعارضة باتت خارج حسابات تأليف حكومة بمفردها.وأصبحت الكرة في سيناريو حكومة ائتلافية أحد طرفيها حتما حزب العدالة والتنمية فيما الطرف الآخر أحد أحزاب المعارضة أيا يكن.يستبعد الجميع أن يكون حزب الشعوب الديمقراطي الكردي طرفا في أي ائتلاف حكومي.الأحزاب الأخرى ماعدا الحركة القومية ترحب بدعم حزب الشعوب لكن من خارج المشاركة في أي ائتلاف حكومي. تبقى الكرة إذا في ملعب حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية.هذا التشعب في المشهد التركي أفاد حزب العدالة والتنمية الذي استغل هذا الواقع ليقلل من شروط أحد حزبي المعارضة ليشاركه في تأليف الحكومة.يتصرف حزب العدالة والتنمية على أساس أنه لا يزال قادرا على البقاء في السلطة منفردا حتى ضمن حكومة ائتلافية.أي أنه يريد الاستمرار في سياساته السابقة داخليا وخارجيا مع بعض الرتوش.في الواقع هذا يطرح تحديات أمام المعارضة كما حزب العدالة والتنمية.فأحزاب المعارضة كان لدى كل منها برنامج معلن ومواقف وتصريحات تجاه كل القضايا الداخلية والخارجية. وليس من السهولة أن تتراجع عن أبرزها مقابل الدخول في جنة الائتلاف الحكومي. إذ ستخسر عندها مصداقيتها أمام الناخب.أما حزب العدالة والتنمية فإنه يتصرف كما لو أنه لم يتراجع عشر نقاط وكما لو أنه لم يفقد خُمس كتلته الناخبة. وهذه النتيجة تفترض بالحزب أن يقيّم أداءه داخليا وخارجيا وأين أخطأ وأين أصاب.يقول رئيس الحكومة والحزب أحمد داود أوغلو إنه بسبب 18 نائبا افتقدها للوصول إلى الغالبية المطلقة لا يمكن التنازل أمام المعارضة في تشكيل الحكومة وبالكاد يمكن لأي حزب معارض أن ينال ستة وزراء من أصل 24 أو ثلاثين وزيرا.لكن المحصلة لا تقاس بهذه الطريقة إذ إن حجم الأصوات التي لم تصوت لحزب العدالة والتنمية بلغت ستين في المئة وبالتالي عليه أن يدرك أن غالبية الشعب التركي لا تؤيد سياساته السابقة. فالمسألة ليست في أنه بحاجة إلى 18 نائبا فقط بل في أن تآكل كتلته الصلبة بمقدار الخمس يطرح على الحزب تحديات المحاسبة ووضع الإصبع على جرح المشكلة لمعالجتها وتلافيها والتقدم بقوة أكبر على أرض أكثر صلابة.لا يبدو أن حزب العدالة والتنمية في وارد القبول بهذا الواقع الذي أفرزته نتيجة الانتخابات.والدليل على ذلك أنه يهدد أحزاب المعارضة بأنه إذا لم يستطع تشكيل ائتلاف حكومي فإنه سيذهب إلى انتخابات مبكرة.أي إما القبول بشروطه أو العودة مجددا إلى خيارات الناخب. وهذا في الواقع أمر مشروع في الديمقراطيات لكن ليس مباشرة بعد حدوث انتخابات بل عادة يتم اللجوء إلى انتخابات مبكرة في منتصف ولاية البرلمان أو أكثر نتيجة ظروف معينة. وغالبا ما كان أردوغان نفسه يقول إنه يجب على البلاد أن تعتاد على أن يكمل البرلمان ولايته كاملة. لكن أن تؤخذ البلاد إلى انتخابات مرتين في غضون خمسة أو ستة أشهر فهذا يعني أن تقول للناخب بوجوب رتغيير أيه بدلا من احترام خياره الأول.الانتخابات المبكرة ليست خيارا عقلانيا بعدما جرت الانتخابات. والأفضل للديمقراطية وللبلاد وللاستقرار أن يتم تشكيل حكومة وفق نتائج الانتخابات بدلا من الذهاب إلى تحكيم الناخب مرة أخرى خلال فترة قصيرة قد تفتح على مفاجآت تزيد من تعقيد المشهد الراهن.